إبراهيم (32) عاماً ، مدرس سوري، تخرج من قسم التاريخ في جامعة تشرين. يتيم المنشأ هاجر إلى تركيا في الحرب السورية سنة 2016، وبعد جهد وتعب أصبح مدرساً في مركز تعليمي مؤقت في هاتاي، يحلم براتب يكفيه وزوجته وابنتيه الجميلتين، ولكن حلمه لا يزال يتبدد.
آلاف الأكاديميين وأصحاب الكفاءات؛ وصلوا تركيا فارين من الحرب، صعوبات كبيرة أمامهم في سوق العمل في دولة نامية تنهض باقتصادها ولا تخلو من بطالة. أذون العمل وطبيعة اللجوء ورفض الشركات توظيف الكفاءات السورية وعوامل أخرى، دفعت الكثير منهم إلى الانخراط في أن يعملوا بمعامل ومخابر وأماكن لم يتوقعوها، بل كان حلمهم أكبر وأملهم أجمل، لكن هذه المخططات صُدمت ودفنت بواقع لا فكاك منه إلى أن تبعث من جديد. والبعض الآخر تمكن من الحصول على عمل في المراكز المؤقتة لدعم الطلاب السوريين بدعم الأمم المتحدة (اليونسيف-(UNICEF،
يقول أبو حمزة أستاذ التاريخ : ” كان حلمي أن أصبح مدرسا، أسافر كغيري من شباب سوريا للخليج العربي الغني بفرص العمل ذي الأجور الممتازة لعلي أعيش حياة أجمل من حياة اليتم والفقر التي عشتها، وأقدم لوالدتي ما كانت تتمناه وتشتهيه من أشياء كثيرة، حرمنا منها في بلد يسوسها عصابة مافية ،تأكل الأخضر واليابس، تخرجت ولم أتمكن من السفر بسبب الوضع الأمني وذهبت للجيش ثم بعد فترة تواصلت مع صديقي محمد-(أنا)- ليساعدني و يشير علي بنصائح وتم الانشقاق والحمد لله ” .
” أحببتُ فتاة من حارتنا، سافرت مع أهلها خارج البلد لكني بقيت أتواصل معها، وافق أهلها علي على أن نعيش في تركيا. عملت في المناطق المحرر قليلا مع أحد الفصائل العسكرية ولم أتمكن من جمع المال بسبب الوضع المعروف، فسافرت لتركيا وأرسلتُ لأخي يرسلْ لي مالًا كي أرسله لها ثمن الفيزا ” .
“بدأت معاناتي كمدرس يبحث عن عمل في بلد مدارسه مغلقة في وجهي، أصبت بإحباط شديد من وضعي، ولم يكن معي أي صنعة أخرى إلا شهادتي ،حاولت التقدم للمراكز السورية في هاتاي ولكنهم رفضوني، أصبح لدي زوجة و نحتاج كل شهر 1000 ليرة تركية للأكل والشرب لا أكثر. عملتُ في بقالية لبيع الأغذية، كنت أشعر بالذل والمهانة من صاحب الماركت الذي لم يكن معه شهادة سادس ” .
كنت أتحدث مع أبي حمزة صديقي، ولم تكن حالي أفضل من حاله. فأنا أفنيت عمري في الدراسة وحب العلم، وكان لدي نفس الفكرة في السفر للخليج، إلا أن خليجي كان الثورة السورية التي قضت على 8 سنين تقريبا من حياتي بلا تطور ولا تحسن، مع أنه جاءتني بعض الفرص المالية ولكني رفضتُ بغية العمل مع الثوار، كنت أعتبر ذلك خيانة للناس،ولم أكن أحب أن أخبر أبا حمزة بمعاناتي كي لا أزيد عليه، هو يعلم تفاصيل حياتي أيضا .
” تقدمت إلى مركز أنشئ جديدا للطلاب السوريين، وتم قبولي وغمرتني الفرحة بداية لأتخلص من هذا العمل، تم قبولي لله الحمد ولكن الراتب الذي كنت أتقاضاهه لم يكن يضاهي راتب عامل النظافة في تركيا. كنت آخذ 240 دولار بداية ليزيد إلى 350 دولار، رزقت ببنتين ولم يعد راتبي يكفيني، لولا الله ثم أخي الذي كان يرسل لي”، يتابع أبو حمزة .
دعمت اليونسف وبالتنسيق مع الحكومة التركية مراكز لتعليم الطلاب السوريين وتكفلت برواتب حوالي 13000 ألف مدرس سوري. في الحين الذي يتقاضى فيه المدرس التركي بنفس المركز راتب 1000 دولار شهريا تقريبا. ورغم رفع الحكومة التركية الأجور إلى 1650 ليرة إلا أن اليونسيف لم تزد رواتب السوريين إلا منذ شهور قليلة ليصبح 1650 تقريبا !!!!.
أيضا صديقي أحمد (33) عاما معلم لغة عربية، لجأ إلى تركيا مع زوجته وابنه الصغير، فلا مخيم يؤيه ويستقبله ولا عمل بانتظاره ، تضيق به الأرض بما رحبت. يسكن أحمد في بيت مهترئ ويعمل في حصاد الحنطة عند رجل تركي. خيار أحمد الوحيد هو ذاك، لا الذي ظنه أنه سيقف أمام طلاب يلقنهم أصول العربية ويأخذ ما يكفيه من المال وعياله. يأس وخيبة أمل لا توصف ولكن لا خيار أمامه. الشركات والمعامل في هاتاي لم تستقبله، لعل كرت الهلال الأحمر يسد رمق طفله وزوجته ولكن لن يسد أحلام وآمال أحمد.
ما يخيف المدرسين السوريين هو قيام الحكومة التركية تدريجيا بإلغاء هذه المراكز ودمج الطلاب السوريين ليصبح مصيرهم مجهولا، أيفصلون من عملهم أم يعينون في مدارس تركية !
ينقل “حسن طيفور” نقيب المعلمين السوريين في تركيا منذ شهور عن مستشار وزير التربية التركي “أرجان دامرجي” قوله: ” إنّ وزارته لن تقوم بفصل المعلمين السوريين، وستعمل على احتوائهم في المنظومة التعليمية التركية على مراحل”. ووفق تسريبات غير رسمية يجري تداولها فإنّ الحكومة التركية تخطط للتعاقد مع المعلمين السوريين بصفة “معلم مأجور” -أوجرتي أورتمان Ücretli Öğretmen ، بأجر يبلغ 10 ليرات تركية عن الحصة الدراسية الواحدة!!.
أغلقت الحكومة التركية التعيينات الجديدة لأصحاب الكفاءات منذ سنة 2016، ليبقى قسم كبير منهم في عمل المعامل والمهن ، التي لا تناسب تخصصاتهم وتدفن معها كل مهارتهم وإمكانياتهم، الأمر الذي يزيد من تعقيد وضع اللاجئين السوريين وأصحاب الكفاءات على وجه الخصوص.
لكل أستاذ قصة مؤلمة وحكاية يتفطر معها القلب، قابلت الكثير من الدارسين والمعلمين، في قلب كل منهم ألف غصة ، وألف حلم مدفون، و أمل مقتول ينتظر أن يبعث من جديد .
المركز الصحفي السوري _ محمد إسماعيل