” إِحْنا إِجِيْنا عالمَلعَبْ.. وسَوِّيْنا مَلْعَبْ وفُزْنا.. وافْرِحْنا.. وكَيَّفْنا.. طِلِعْ الطِّيْنْ مُوْ مِتْلْ الأيام العاديّة.. طِلِعْ الطِّيْنْ أَحْلَى من الأيام العاديّة”.
هذا ما قاله ” أحمد” (١١ عاما)، من إدلب، أحدُ لاعبي فريق الأطفال، في مخيّم براعم أبو الفداء.
بالكاد يمكن أنْ تظهر ملامح وجهه، الذي أخفاه الطين.
شعره الأشقر، اختلط بالطين، غابت عن ملابسه ألوانها أيضا، لكنّ ابتسامته قهرت الوحل والمعاناة، وارتسمت على وجهه، فرحا بهذه اللعبة.
تغلب القسوة في حياة المخيمات، لا يجلوها إلا بعض الألعاب عند الأطفال، ككرة القدم مثلا.
في كلام أحمد، تتجلى المعاناة التي يعيشها أطفال المخيمات، افتقارهم إلى أبسط الأشياء المفرحة. الفرح قادر على أنْ يقلب الموازين في ذاكرة الطفل في لحظات.
بفرحة بسيطة أثناء لعبة كرة قدم ،تغيّرت الأشياء من حول هذا الطّفل القابع في خيام غطت معها السعادة.
بعد رحلة القصف والتهجير والنّزوح إلى مكان مختلف، فلا الدار ولا الأرض،هي نفسها، ملاعب الصبا.
تبدأ المباراة في ساحة مليئة بالطين، تتوسّط مجموعة من الخيام التي تنطق عوزا وألماً وفاقة، يتراكض الأطفال في الملعب الترابي، الذي تحول لطين بفعل مياه الشتاء القوية كل سنة، وبعد سماع صافرة الحكم، تتراكل تلك الكرة بين أقدامهم كما تراكلت أيامهم في هذا المخيّم؛ كلُّ يومٍ أثقلُ من الذي قبله، يخفقون في تسجيل هدف، وينجحون أخرى.
كلا الفريقين يبذلان قصار جهدهما، إلا أن ثقل الطين تضافر مع ثقل همومهم، ما جعلهم يتراكضون في الملعب بخطىً بطيئة، مثقلة بالطين.
لكل فريق مشجّعوه، اتسخت ثيابهم بالوحل،وكذلك وجوههم.
حماسهم وفرحتهم في هذه اللعبة جعلهم يتناسون ألم وهم حياة المخيمات، ربما تخيلوا أنهم يلعبون في ساحة الدار، أو في ملعب القرية، وربما في ملعب المدرسة التي حرموا منها جميعا بعد الحرب والدمار الذي حلّ بقراهم ومدنهم ومنازلهم.
انتهت الجولة الأولى دون تسجيل أيّ هدفٍ من الفريقين.
حالها حال سنوات النزوح التي مضت، دون أن يكترث الكثير إلى حال أولئك المغيّبين بين الخيام، ووسط الزّحام المفروض عليهم في بقعة ضمّت بين جنبيها الكثير من المعاناة والجوع والحرمان.
بدأت الجولة الثانية، وانطلق الأطفال في الملعب يتراكضون، يركلون الكرة بكلِّ ما أوتوا من قوّةٍ، يصيبون أحيانا وأحيانا يتعثّرون، ولكنهم عازمون على إيصالها إلى المرمى.
يركض أحمد نحوها، يمررها له أحد أعضاء الفريق، يسقط أرضا لبرهة ثم يقف، يسرع نحوها، يركلها بكل ما أوتي من قوّة، يسجّل هدفاً، تتعالى الحناجر بالهتاف، والضحكات تعمّ الساحة الطينيّة.
يقفز الأطفال فَرَحاً بالهدف، فينزلقون تارةً، وتارةً يصمدون على طينٍ وجدوا فيه فرحةً مدفونة ما كانوا يتوقّعونها، ولعلّهم في قادم الأيام يَصِلُون إلى الفرحة المنشودة التي ستخرجهم من مخيّمات النّزوح، وتحقق لهم أهدافَهم وتطلعاتِهم نحو مستقبلٍ أفضل وغدٍ أجمل.
ظلال عبود
المركز الصحفي السّوري