بعد إعلانه وقفاً لإطلاق النار بسوريا.. هذه أبرز التحديات أمام بوتين لإنجاح محادثات سلام بين الأسد ومعارضيه

بعد أشهر قليلة من وصف وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنََّه “منبوذ دولياً”، وبعد تحذير الرئيس الأميركي باراك أوباما له، بنبرةٍ استعلائية، من أنَّه سيعلق في المستنقع السوري، ينهي بوتين عام 2016 كما لو كان المنتصر بلا منازع، أو على الأقل كرجلٍ في مركز صنع القرارات.
إنَّ موسكو، وليس واشنطن، هي التي تمسك بزمام الأمور في الشرق الأوسط الآن.
منذ سنوات، لم تكُن روسيا قادرةً على حماية يوغوسلافيا مما سمته “عدواناً غربياً”؛ بسبب معاناتها هزيمتها في الحرب الباردة وما تلاها من انهيار الإمبراطورية السوفييتية.
ولكن في حالة سوريا، يُمكن لروسيا أن تدَّعي استرجاع احترامها لذاتها. وفي خضم الحرب السورية، بَنَت روسيا سمعةً بأنَّها تدعم أصدقاءها، وتفهم ديناميات المنطقة أفضل من الولايات المتحدة الأميركية، وتعرف كيفية استخدام القوة العسكرية لإقامة تحالفات دبلوماسية.
وعلى النقيض، تنهي الولايات المتحدة عام 2016 وهي تشعر بتجاهل الجميع، وفوق ذلك تحمل إعلاناً رسمياً لخيبتها في حمْل إسرائيل على الاستجابة لمساعي السلام.
سيُحذر الكثيرون، وهم على حق، من أنَّ التجارب السابقة أثبتت أنَّ وقف إطلاق النار في سوريا كان دائماً هشاً، ولا يؤدي إلى محادثات سلام، فضلاً عن التوصل إلى اتفاقاتِ سلام. لكن مساعي السلام، المُستبعد حدوثها، برعاية روسية-تركية لها خلفية مواتية.
 

صعوبة في إنهاء الحرب

 
ليس ثمَّة صيغة موحَّدة أو دليل لإنهاء حرب أهلية. لكن، هناك عدد من العناصر الرئيسية التي تتدخل في هذا الأمر، مثل الشعور بالعبث نتيجة الاستنزاف الشديد، والتغيُّرات الحاسمة في التوازنات العسكرية، وإعادة صياغة وتركيب الجهات الفاعلة الرئيسية، والتحوُّلات في التحالفات الدبلوماسية. وهذه العوامل الأربعة توجد كلها بالفعل في الحرب الأهلية السورية.
وبعد 4 أعوام راح فيها مئات الآلاف من القتلى المدنيين، علاوة على تهجير الملايين، سقط الشعب السوري في أبعد أعماقِ اليأس. وأياً ما كانت الآمال التي أدت إلى الثورة، فقد صارت هذه الأحلام بعيدةَ المنالِ أكثر من أيِ وقتٍ مضى.
 

تغيرات ساعدت بوتين

 
أنقذ التدخل العسكري الروسي، العام الماضي، نظام بشَّار الأسد، وأدى إلى هزيمة قوات المعارضة شرق حلب هذا الشهر، ليُحدِث انقلاباً في التوازن العسكري.
وقد قضت هزيمة هيلاري كلينتون في الانتخابات الأميركية على الأمل الأخير في أن يعلو صوتٌ قويٌ أكثر تدخليةً ضد روسيا في البيت الأبيض، فمن المُرجَّح أن يدعم دونالد ترامب الأسد، وليس قوات المعارضة الموالية للمملكة العربية السعودية.
وأخيراً، فقد قرَّرَت تركيا، أكبر خصوم الأسد خارجياً، تسوية الأمور مع بوتين وتحقيق السلام معه؛ لعددٍ من الأسباب، بعضها نبيلٌ والبعض الآخر للمصلحة الذاتية.
وبذلك، تترك تركيا قوات المعارضة المُبعثرة مُضطرةً للاعتماد على مواردها الذاتية وعلى دولِ الخليج. والمملكة السعودية بدورها قد تكبَّدت ثمناً باهظاً في اليمن، ولن تتدخَّل عسكرياً في سوريا دون مشاركة الولايات المتحدة.
وترحب روسيا بالمبادرات الدبلوماسية والاقتصادية من قبل حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في المنطقة. وقد استثمرت قطر، في صفقةٍ تُقدَّر بـ11.5 مليار دولار، للحصول على حصةٍ بقيمة 19.5% في شركة روسنفت، أكبر منتجٍ للنفط في روسيا، رغم أن الشركة تخضع لعقوباتٍ تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
أما مصر، فيبدو أنها على وشك بدايةٍ جديدةٍ مع موسكو؛ إذ تتلاشى بعضٌ من الحواجز القديمة في طريق السلام.

لكن هذا لا يعني أن طريق روسيا مفروشٌ بالورود؛ فحلّ الحربِ المُعقَّدةِ في سوريا يجعل حلّ مكعب روبيك بسهولةِ لعبة X وO.
 

تحديات

 
ومبدئياً، لا تزال تركيا تُصِرُّ على تنحي الأسد، كجزءٍ من عملية السلام، تلك القضية التي أدت إلى محادثاتٍ سابقة. لذا، يتوجب على بوتين أن يصل إلى صيغةٍ استعصت على مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، ستافان دي ميستورا، للسماح ببدء المحادثات في قضية مستقبل الأسد المُعلَّقة.
لا بد أيضاً أن يُتَفَق على هوية فصائل المعارضةِ المدعوَّةِ إلى محادثات السلام. وهذا يتطلب من الأسد أن يتوقف عن تصنيف السوريين ما بين “موالين” و”إرهابيين”، ما يتطلب كذلك من بوتين إجبار الأسد على قبول التفاوض مع قوات المعارضة أو “جبهة فتح الشام”، المعروفة سابقاً بـ”جبهة النصرة”، المرتبطة بـ”القاعدة”.
ويعتقد مسؤولون أميركيون أنه من شبه المستحيل فصل “النصرة” عن التيار السائد لقوات المعارضة الرئيسية في سوريا.
وسيسعى بوتين أيضاً لضمان أن يشعر الإيرانيون بكسبِ غنائمٍ كافية من النصر. وتشير الأرقام التي ذكرها الباحث الكبير في معهد الشرق الأوسط، تشارلز ليستر، إلى أن لإيران تأثيراً كبيراً على ميليشيات شيعية يُقدَّر قوامها بـ30 ألف مقاتل في سوريا.
وكتب ليستر: “ما يقض مضجع إدارة أوباما، العازمة على الحفاظ على تنفيذ الاتفاق الإيراني، هو أن الإيرانيين سيكون لهم دورٌ قيادي، سواء تمكَّن الأسد من استرداد سوريا أو لا”.
وأضاف: “بينما لا يزال الأسد راكزاً في دمشق، تتمتع طهران بنفوذٍ كاسح في العراق وسوريا ولبنان، وتأثيرٍ كبيرٍ في أجزاءٍ من اليمن والأراضي الفلسطينية”.
وتقول إيران إن عدوها اللدود، المملكة العربية السعودية، لا بد ألا يكون شريكاً في المحادثات.
 

اتفاق مع الأتراك

 
وتُعتبَر تركيا دولةً محورية، لكن يبدو أن الولايات المتحدة تفقد هذا الحليف المهم شيئاً فشيئاً، ومن الصعب تحديد إلى أي درجةٍ يمكن أن تسعى أنقرة للتوصل إلى اتفاق.
أما بوتين، فقد عَرَضَ صفقةً على الرئيس التركي. ففي مقابل السماح للجيش السوري بالسيطرةِ على حلب، يبدو أن رجب طيب أردوغان قد حظى بفرصةٍ في شمال سوريا لدحر الاتحاد الكردي السوري، الذي يُعد مصدراً رئيسياً للقلق بالنسبة له، رغم أن الأكراد السوريين المدعومين من الولايات المتحدة كانوا في طليعة صفوف القتال ضد “داعش” في الرقة.
وكان الأكراد قد استُبعِدوا من مباحثات الأمم المتحدة للسلام في جنيف، وقد لا تتيح لهم محادثات السلام الأوَّلية لبوتين، المُقرَّر عقدها في أستانة عاصمة كازاخستان، مقعداً على طاولة المفاوضات.
إذا كان الأمر كذلك، فسيشعر الأكراد، المتحالفون مع الولايات المتحدة، بأن أوباما لا يجيد إلا إلقاء المحاضرات عن الوضع العالمي، بينما لا يسعى لإعادة تشكيله فعلياً. وهذا هو الفراغ الذي سارع بوتين بنجاحٍ في ملئه.
هافنغتون بوست

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

 

المقالات ذات الصلة

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

ابحثهنا



Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist