كم من الأحلام تجاوزناها لواقع مرّ نعيشه ؟؟
يسعى الكثيرون وراء أحلام ترعرعوا على هدف تحقيقها وإتمامها على الوجه الذي يتمنونه، ويتجاوز البعض أحلاماً يئسوا من تحقيقها أو أنّها أصبحت صعبة المنال.
يصف “أحمد” حاله وكلمات الحرقة تئن في صوته المبحوح بسبب شربه للماء البارد وعمله تحت حرّ الشمس كما يقول، “كنت أحلم في دراسة المعهد العالي للفنون المسرحية وكنت دائماً ما أقوم بتمثيل أدوار بعض الشخصيات بشكل يبعث الفرح والسرور على وجه من يشاهدني وكنت أشعر بأوج السعادة لذلك.
عند اندلاع الثورة أضطررت لمغادرة البلد والتوجه إلى تركيا وكلي أمل بأنّني سوف أحقق شيئاً من حلمي ولو تغيرت ملامحه بسبب التّرحال المفاجئ، كمرآة أصابها شيء من خراب الزمن سبّب انشعارها قبيل الانكسار فقد سُرقت مني حقيبتي عند عبوري الحدود بين سورية وتركيا، وأحسست كأنّ جزء روحي المكسور بمغادرة بيتي وقريتي قد ضاع لتوّه منّي، فأمسيت إنساناً بلا مأوىً وبلا روح.
أخذ نفساً عميقاً، و زفر بعده زفرة أخرج فيها ما في نفسه من ألم وقال ” عملت في الكثير من المهن و كلي أملي أن أجد سبيلاً للحصول على بديل لشهادتي التي فقدتها علّني أستطيع إكمال دراستي في إحدى الجامعات التركية”.
تواصلت مع أقربائي واستخرجت نسخة عن شهادتي الثانوية من تربية إدلب بعد التحرير ولكن أبى مكتب التعديل في تركيا تعديلها لي، كانت أحلامي تندثر أمامي كرماد أصابته ريح عاتية.
عملت في معمل للألمينيوم وعملت في منشرة للخشب وكان هدفي الأساسي تأمين مبلغ من المال لدفعه لمكتب تأمين الأوراق الثبوتية للسوريين خارج القطر كما هو مكتوب على صفحته على الفيسبوك.
بضحكة ملأت تعابيرها السخرية وبإشارة ساخرة بيده أردف قائلاً ” تواصلت مع المكتب واتفقنا على السعر الباهظ الذي يجب عليّ دفعه ثمناً لحق من حقوقي التي حرمت منها وبعد أن وصلتني، عاد إليّ بصيص الأمل الذي كان قد غاب عنّي واندثر ولكن كالعادة عادت من مكتب الحكومة في غازي عينتاب بلا تعديل فرغم أنّ بياناتها صحيحة لم يقبل مكتب التعديل بها لأنّها ربّم ليست ممهورة بختم نظام شرّدنا وها نحن نسانده بقصد ودون قصد”، يعمل أحمد الآن في مغسلة للسجاد وقد غرقت أحلامه بشبر من ماء العذاب والخيبة.
في نفس المدينة وعلى اختلاف الجنس والأحلام تروي “عائشة قصّة أحلامها الضّائعة في استكمال دراستها لنفس الأسباب، فقد تعددت الأسباب وموت الأحلام واحد، “لا أستطيع الحصول على نسخة من شهادتي الثانوية التي احترقت في بيتنا بعد أن أحرقه جنود الأسد، فأحرقوا قلبي وكلّ أحلامي معها” أكملت عائشة حديثها وملامح صراعها مع دمعت كادت أن تخطّ دربها على خدّها “بات الحصول على أوراق ثبوتية لنا شبه مستحيل لثمنه الباهظ وعدم التأكد من مصداقيته والصعوبة التي تواجهنا في تعديل شهاداتنا وقد سلبت منّا دون ذنب”.
تعمل عائشة في محل تركي لبيع الألبسة وطلاقتها في تحدث اللغة التّركيّة دليل واضح على ذكائها ورجاحة عقلها رغم أن الحظ لم يحالفها في تحقيق أحلام باتت أوهاماً لا أكثر.
وبحسب مكتب التعديل في الحكومة المؤقتة فإنّ عدد الطلاب الذين تقدموا بطلبات لتعديل شهاداتهم الثانوية منذ 2012 تجاوز عشرات الآلاف، ففي هذا العام فقط حوالي 8 آلاف طلب وقسم كبير منهم تم رفض تعديل شهاداتهم للاشتباه بها على حدّ قولهم.
والجدير بالذكر أنّه بلغ عدد الطّلاب السوريين في الجامعات التركية 27 ألفاً و 606 طلاب، منهم 3 آلاف يتلقون منحاً كاملة وحوالي 16 ألفاً يتلقون منحاً جزئية.
محمد المعري
المركز الصحفي السوري