نزحت “أم علي” كغيرها من أهالي حلب من منطقة السكري إلى إدلب بعد اتفاقية التهجير التي وقع عليها أطراف المعارضة وقوات النظام تحت ما سمي بالمصالحة الوطنية، على أمل العودة لمنزلها بعد أن دفنت أشلاء زوجها بالقرب منه.
لم تكن ليالي حلب كـليالي المدن الأخرى، كانت أشد… فالقذائف بكل أشكالها تتساقط كالمطر على مَن بقي صامداً في المناطق المحاصرة. الخوف والتوتر سيّدا الموقف. لا أحد يعلم متى يتحوَّل من شخص على قيد الحياة إلى ميِّت…ذاك الخوف الذي دفع آلاف الحلبيين للرضوخ بعد سياسة الحصار وتصعيد العمل العسكري للنزوح عبر الحافلات الخضراء إلى جارة الجوار وحاضنة المهجرين “إدلب”.
“أم علي” السيدة الأربعينية كشفت لنا في حديثها المطول عن محاولتها الأولى والأخيرة بعد النزوح للعودة إلى حلب قائلةً “كنت من عائلة تختلف بالاسم عن زوجي الذي كان اسم عائلته (الغول) زلزال يرعب عناصر النظام، كان علَي أن أذهب، كي أُحضرَ ابنتي “فاطمة” التي بقيت مع أهل زوجها المعتقل.. فقد اقترب موعد ولادتها لابنها البكر.
وأضافت “عندَ الخامسة فجراً استيقظت، وارتديتُ معطفي واتجهت إلى الكراج، للذهاب إلى حلب بعد أن خرجت منها قسراً، فلم أكن لأتخيَّل قبل صعودي الحافلة، أنَّ الأمر صارَ بهذه الصعوبة!.. فشعرتُ بالخوف. لكن كلّما كنا نقترب من حاجز النظام، تمسك بيدي السيدة التي جلست قربي وتقول “حافظي على هدوئك، يا إلهي ما هذه الورطة التي ورَّطتُ نفسي بها؟! وكيف سأعود إلى إدلب؟!”.
تابعت أم علي حديثها بدموع الحزن التي أبت إلا أن تسبق الكلمات “مررت بسلام وقبل أن أعود بصحبة “فاطمة” هذه المرة أنا وحيدة… أمام منزلي وكان وجهي أصفر من شدّة الخوف! كانت الساعة الحادية عشرة و15 دقيقة… تماسكت قليلاً وقرعت الباب بيد مرتجفة، بكلمات لم أفهم منها شيئاً.. فتح أحد الجنود الروس باب المنزل.. لم أطلب منه الاستئذان بالدخول وأسرعت نحو غرفة المعيشة.. لأجد أربعة جنود يفترشون الأرض بلباسهم العسكري، سرعان ما علت منهم ضحكات السخرية على خاصية ملابسي التي تتسم بكثرة السواد.. آه لم أجد أثاث المنزل ولا حتى صنابير المياه! سرقوا كل شيء “الشبيحة” واحتل الروس المنزل”.
مسحت الأرملة دموعها بمنديل احتفظت به من زوجها كذكرى تسكن فيه رائحة المودة وتابعت “صعدتُ بسيارة أُجرة، بدلاً من النقل العمومي… علّني أُسرع بالعودة! قالَ لي السائق، ستعبرين الحواجز مع ابنتك أسرع فالتدقيق على القادم أكثر بكثير من الذي يغادر، تابعت طريق العودة وفي قلبي يسكن الخوف والغضب معاً.. لم أستطع زيارة قبر زوجي رغم قربه من المنزل، بعد أن علمت أن من يزور مقابر الشهداء يعرض للاعتقال والخطف.. فقدت الأمل بالعودة وعاهدتُ نفسي ألا أذهب إلى حلب مرّة أُخرى”.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد