في مخيم للنازحين، رجل في الأربعين من عمره، يعيش في خيمة مهترئة، لاتقيه هجير الصيف ولا صقيع الشتاء .. شَعْرُه الأبيض لاتكاد تميزه من ندف الثلج المتساقطة. برودة أطرافه كبرودة مشاعره التي قتلتها قسوة الأيام عليه.
كيف يُشرع النظام السوري السيطرة على الأملاك
طقسٌ بارد جدّا، الثلوجُ تتساقط لتلفح خيمته بوشاح أبيض وتكلّلها بتاج ثقيل كثقل الهموم على قاطنيها، في الوقت الذي كان حريّا بها أنْ تُكلّلَ بالياسمين.
أبو أنس، يجلس حائرا، يتوسّط أولادَه الخمسة وزوجتَه التي تحمل معه ثقل هذه الحياة وهمومها، التدفئة شبه معدومة، والأولاد يرتجفون. يستمر الثلج بالتساقط فوق هذه الخيمة، يتساءل أبو أنس في نفسه: ” إلى متى ستصمُد، وكم ستسمر هذه العاصفة الثلجية التي عصفت بنا قبل أن تعصف بهذا المخيّم؟.
بالقرب من أبي أنس يَقْطُنُ جارُه أبو فادي، رجل قد أنعم الله عليه فاستبدل بجدرانِ خيمتِه القماشية لَبِناتٍ رصَّها معاً ببعض الإسمنت، وسَقَفَها بِعازِل.
يتساقط الثلج ويتساقط. ينهار الجدار الأول لخيمة أبي أنس، يحاول إصلاحه عَبَثا، ينظر إليه ابنه قائلا: ” بابا شو عم بيصير؟ خيمتنا عم تُوقع.. وين بدنا نروح؟ ، بابا فكرت التلج حلو، طلع متل النظام عم بهد بيتنا “.
يقف أبو أنس عاجزا أمام ارتجاف عائلته بردا وخوفا.. يفكّر بمصيرهم والمآل الذي سيحدِقُ بهم.. الناس جميعا في الخيام يعانون.. وبالكاد تتّسع خيامهم لعائلاتهم.. الوقود قليل.. وفي بعض الخيام نادر.. البرودةُ تَعُمُّ المخيم؛ برودةُ طقسٍ وبرودةُ حياة..
يبدأ الجدار الثاني بالانهيار أيضا.. يسرع أبو أنس وعائلته خارج الخيمة.. يقفون أمام بابها.. ينظرون إليها بحسرة وألم.. لحظاتٌ وتنهار الخيمة أمام أعينهم.. قبل قليل كان عندهم مأوى.. والآن باتوا في العراء.
البياض يحيط بهم من كلّ جانب.. رؤوسهم غطّاها الثلج وأنوفهم احمرّت لشدة البرد.. تصطكّ أسنانهم.. وترتجف قلوبهم وأرجلهم معا.. يلتفّون حول بعضهم بعضا حائرين منكسرين.. يتنظرون مصيرا مجهولا..
تُرى؟؟ هل سيخرج جارهم لسبب أو لآخر من خيمته ذات الجدران الإسمنتية، فيشاهدهم ويدخلهم إليها؛ لينعمون ببعض الدفء في هذا العالم القاسي المليء بالبرد والصّقيع؟
أم أنّه سيطول مكوثهم أمام أطلالِ خيمتِهم المُهدَّمَة، وتحت هذا الثلج المنهمر؟
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع
ظلال عبود