تجلس أمه وسط الشارع مذهولة دون حراك، و هي تحدق بتلك الأكياس بعيون جاحظة لا يرف لها جفن، سواد خيم على مدينة حلب في 6 شهور عجاف، سماؤها وأرضها ومبانيها وبيوتها، وحتى وجوه و ملابس ساكنيها.
يحكى أن سبب ذلك السواد دخان القصف المكثف و دخان حرق الدواليب التي كانت تحرق بهدف تكثيف الغيوم السوداء في سماء حلب، لمنع الطائرات من تحديد الأهداف، لكن لسواد الوجوه والملابس رواية أخرى، تحكي معاناة طهي الطعام على مدفئة الحطب كما تدعى، التي يحرق فيها الأقمشة و النايلو أو بابور الكاز الذي يتعطل يومياً بسبب الكاز المصنوع من تذويب النايلو .
في أحد أيام الحصار السوداء في مدينة حلب، كان محمد يجلس أمام فناء منزله يدق بالبابور محاولا إصلاحه لعله يرسم بسمة على وجه والدته بإنجازه، بينما كان أبا محمد الجزار يجلس على كرسيه أمام محله الفارغ من أي قطعة لحم و ملامح الشقاء عبثت به يجلس صامتاً، وكأنه غارقاً ببحر من هموم لعله كان يفكر كم يوم وليلة يكفي أسرته ما أدخره من طعام .
و إذ بأم محمد تنادي على طفلها محمد
محمد ادخل بسرعة جاءت الطائرة، لتقاطعها الطائرة بإلقاء صاروخ سقط أمام منزلهم، فيقتل الأب و يحول الطفل لأشلاء، تخرج أم محمد لترى الفاجعة فيغمى عليها
ثم تصحو وهي جالسة وسط الشارع بعد أن جمع ابنها الأكبر أشلاء أخيه بأكياس لتوضع أمامها، بقايا طفلها مجموعة بأكياس سوداء كسواد تلك الأيام .
مضى على تلك الفاجعة 4 سنوات ولم تصدق أم محمد بعد أن طفلها توفي إذ أنها دائما ما تنادي عليه و تزعم أنه مازال يصلح لها البابور أمام المنزل .
بقلم : سدرة منتهى
المركز الصحفي السوري