بينما تحتفي إدارة ترامب بالاتفاق الجديد الذي يهدف إلى تجميد المعارك في جنوب سوريا، يتأهب نظام الأسد وإيران للمرحلة التالية في الحرب الدائرة منذ وقت طويل، التي سيحاولان خلالها السيطرة على بقية الدولة السورية، ويعتمد نجاح إيران بشكل كبير على ما إذا كانت الولايات المتحدة تدرك ذلك، ومن ثم ستواجه تلك الاستراتيجية، وتدفع طهران بآلاف من المقاتلين إلى الأراضي التي تم الاستحواذ عليها مؤخراً، وتبني قواعد عسكرية، ورغم أن القوات المدعومة أميركياً تسيطر على أراضٍ في شرق نهر الفرات جنوب شرق سوريا، وعلى طول حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة والأردن في جنوب غرب سوريا، إلا أن إيران أعربت عن نيتها مساعدة بشار الأسد من أجل الاستحواذ على الأراضي السورية كافة.
وظهر قاسم سليماني قائد فيلق الحرس الثوري الإيراني مؤخراً في مدينة دير الزور شرق سوريا، ويكشف ذلك الأولوية التي توليها إيران للاستحواذ على الأراضي الغنية بالنفط بالقرب منها، وذهب أيضاً إلى مدينة «البوكمال»، التي تقع على الحدود مع مدينة القائم العراقية، وهي المنطقة الأخيرة من الأراضي للجسر الذي تسعى إيران لإنشائه من طهران إلى بيروت.
والاتفاقية التي أبرمها الرئيس دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في آسيا تم الترويج لها باعتبارها طريقة لضمان أن المناطق المحررة في سوريا ستبقى خارج سيطرة الأسد، وتمهد لخروج المقاتلين الأجانب، غير أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قال في موسكو: «إنه لا نية للضغط على إيران من أجل إخراج قواتها من سوريا».
وكشفت قوة مهام مشتركة تضم مسؤولين عسكريين ودبلوماسيين أميركيين سابقين، عن مقترحات لكيفية الحيلولة دون استحواذ إيران على ما تبقى من الأراضي السورية المحررة، ووفاء ترامب بوعده باحتواء نفوذ إيران في المنطقة. وأفاد تقرير قوة المهام التابعة لـ«معهد الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية» بأن «الأكثر إلحاحاً هو أن على أميركا أن تفرض عقبات حقيقية أمام سعي طهران لتحقيق الانتصار الكامل لنظام الأسد في سوريا»، موضحاً أن «الوقت هو جوهر المسألة».
أولاً: تحتاج الولايات المتحدة إلى إقرار سياسة واضحة بشأن سوريا تزيل الشكوك بشأن عزم واشنطن سحب قواتها في الوقت الراهن بعد سقوط تنظيم «داعش». ولا بد أن توضح هذه السياسة أن الوجود العسكري الأميركي سيظل موجوداً برّاً وجواً، لضمان عدم عودة «داعش» وعدم استعادة الأسد للدولة بأسرها، ولتوفير الأمن لعملية إعادة الإعمار.
ثانياً: على الإدارة الأميركية أن تزيد مساعداتها إلى المجتمعات السُّنية التي يحالفها الحظ بشكل كبير بالعيش خارج مناطق حكم الأسد، ومساعدة الجماعات المحلية المدعومة أميركياً التي تسيطر على أراضٍ قيّمة في جنوب شرق سوريا. وهذه الأراضي من الممكن أن تمنح المجتمعات المحلية امتيازات اقتصادية في الوقت الراهن، ونفوذاً سياسياً في وقت لاحق.
ثالثاً: على الولايات المتحدة أن تتعاون مع حلفائها الإقليميين للحيلولة دون نقل إيران لمزيد من الأسلحة والقوات إلى سوريا. وسيقتضي ذلك اعتراض الشحنات عن طريق البحر، وضمان سيطرة القوات المدعومة أميركياً على المدن الحدودية الرئيسة في سوريا والعراق، ومثل تلك التحركات من الممكن أن تواجه عدواناً إيرانياً من دون إثارة نزاع مسلح مع طهران.
وذكر جنرال القوات الجوية المتقاعد «تشارلز والد»: «علينا أن نمنع إيران من التمكن من بناء هلال النفوذ الذي ترنو إليه»، مضيفاً: «نحتاج إلى مواصلة تعزيز تحالفنا مع دول توافقنا الرأي».
وترامب محق في إشارته إلى أنه ورث وضعاً مضطرباً في سوريا، ذلك أن سياسة إدارة أوباما التي قدمت «نصف دعم» للمعارضة السورية ودبلوماسية حالمة من دون تأثير قد أفضت إلى الوضع الراهن على الأرض، غير أن على إدارة ترامب ألا تكرر أخطاء باراك أوباما.
ونوّه «إريك إدلمان» السفير الأميركي السابق لدى تركيا، إلى أنه ينبغي اللعب بالأوراق كافة إذا كنّا نتصرف بحكمة، ورغم أنه ليست ثمة رغبة في الولايات المتحدة لإبقاء مهمة عسكرية لفترة طويلة في سوريا، إلا أن الدروس المستفادة من الانسحاب الأميركي من العراق عام 2011 لا تزال حاضرة في أذهان القادة العسكريين. وقد تعهّد وزير الدفاع «جيم ماتيس» الأسبوع الماضي بأن القوات الأميركية ستبقى لمنع ظهور «نسخة جديدة من داعش»، وإلى أن تنطلق العملية السياسية على الأرض، لكنه لم يأتِ على ذكر ما إذا كانت أميركا ستحول دون العدوان الإيراني.
ومصالح الأمن القومي الأميركية واضحة، فالسيطرة الإيرانية طويلة الأمد على المناطق المحررة في سوريا ستفضي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار، وتغذي التطرف وتطيل الأزمة.
جوش روجين
محلل سياسي أميركي _ الاتحاد