“أمي.. ما تتأخر الوضع بالليل بخوف” آخر كلمات أم محمد لابنها الذي خرج لزيارةِ صديقهِ وجارهِ في منطقة الزاهرة في دمشق..
في ١٠ آذار ٢٠١٣ كان الشتاء يفرض قسوته على ليل المدينة..في الساعة الحادية عشر قبل منتصف الليل خرج محمد من منزل صديقه..
كان قد أخبر أمهُ أن تنتظرهُ على العشاء، لكن قبل أن يصل هاجمت محمد وصديقه الذي رافقه سيارةٌ، خرج منها رجلان ضخما البنية..شعر محمد بالخطر فأومأ برأسه لجاره الذي شاهد وروى الحادثة، أن يخبر بسرعة والده ولكن سرعة الرجلين بوضعِ محمد ورفيقه في السيارة كانت أكبر..
خرجت والدة محمد على شرفة المنزل، سمعت أصواتاً ورأت جمعاً أمسكت قلبها، ودعت أن يحفظ الله ولدها..
وبعد دقائق وصل خبر اعتقال محمد لوالديه كالصاعقة ..بحث أبو محمد في كل فروع الأمن مرّ أسبوعٌ ولم يتمكن أن يصل لخبر ..مرّت سنة ولم يستطع أن يصل لخبر.. مرّت سنين كان قد دفع فيها لأشخاص يعملون في الدولة مبالغ كبيرة استدانها من أقربائهِ، علّهم يأتون له بخبر يسكّن وجعه…
وصلته أخبار أن ابنه لازال على قيد الحياة ..وأنه اعتقل لمشاركته بنقل الثوار في المدينة بسيارة الأجرة التي كان يعمل بها سائقاً في المساء.
مرّت أعوام على اعتقال محمد ترك الشاب خلفهُ أحلاما لم تكتمل، دراسة الحقوق التي اضطرته على البقاء في دمشق ورغبته بعد التخرج في الذهاب إلى أعمامهِ في المناطق المحررة وحلمهُ بالزواجِ ممن أحب
أحلام ٌ لم تكتمل، قتلت في دقائق
شاب قلب أبو محمد في غياب ابنهِ وحفرت في وجهه خطوط الوحدة والغربة والانتظار.
بقي وحيداً يمسك سيجارته التي أحرقها بأنفاسه ويشربُ قهوته المرة التي اعتاد عليها بعد فراق ولده …يشرد لساعات بصورة محمد على هاتفه.
يشهد من يعرفه أنه رجل مسالمٌ محبوبٌ مهذب..كان يعمل شرطي مرور في دمشق.. ترك مدينته الأم ليسكن مع زوجته وبناته الأربعة وابنيه محمد وأحمد في مكان عمله.
أحمد الابن الأصغر حمل أوجاعاً ومسؤوليات كبيرة بعد اعتقال أخيه، ترك أهله وسافر من دمشق إلى إدلب ثم لتركيا، يعمل أحمد عاملاً في تركيا يساعد والده الذي اضطر على البقاء في دمشق علّه يسمع خبراً عن ولده.
تذكر أخوات محمد ليلة نشر صور قيصر ” كان يوماً مرعباً تضع والدتي نظارتها وتمسك الهاتف تقلبُ صور المعتقلين الشهداء وبين كل صورة وصورة تبكي بحرقة على هؤلاء وتبكي خوفاً أن تجد صورة أخي بينهم تحكي لي بصوتٍ كاد يختفي “تعالي كفي بنتي أنا تعبت ”
فأمسكُ هاتفها وتتوسل لي أن أقول لها إذا رأيت محمد بينهم “بنتي مشان الله لا تخبي عني أنا عيوني وقلبي وجعوني انت انتبهي”
ووالدي يجلس في زاوية البيت يسمع ويشرد بالصور وتخونه عيونه فيبكي ويبكينا
هذا قهر الرجال ..لا حيلة لهم أوجاعهم لا تداويها الرجولة ولا حل لها سوى الدموع
يموت الكبرياءُ إذا أصاب ولدك مكروه.
لم يجد الأهل صورة محمد فيتلاشى رعب الصور ويبقى في القلب بقعة أمل، علّهُ مغيّبٌ في السجون ..علّهُ يخرج حراً وتراه عيوننا .. هذا ما يأمل أن يعيشهُ يوماً أهل محمد.
لله درّ قلوبٍ أنهكها الشوق والخوف والغربة..
محمد كٱلاف المغيّبين ظلماً مجهولي المصير..
للمعتقلين الحرية ولذويهم الأجر والصبر
ضحى الخابور/قصة خبرية
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع