” الله حيّه .. الله حيّه .. نوّرت المملكة “، بهذه الكلمات استقبل ولي العهد السّعودي أميرَ قطر بتصافحٍ وعناق بعدَ فرقةٍ وشقاق. فكان لقاءً كالغيث يروي قلوبهم العطشى لرأب الصّدع، وإنهاء الخلاف.
مصالحةٌ خليجيّة، بعد سنواتٍ ثلاثٍ عجاف من المقاطعة، أزمةٌ لحقت دولا شقيقة، وشهدت تصادما شعبيا، وتراشقا إعلاميا، رافقتها عاصفة من الاتهامات بين الطرفين وتجريحات خلّفت بينهما جروحا عميقة.
إنّها حكايةُ أخوةٍ أشقّاءَ، جمعتهم لغة واحدة، وسرى في عروقهم دم العروبة، ضمّهم معا خليج واحد، ومن ثمّ عصفت بهم رياح الفرقة.
بدأت تلك الحكاية في 5/ حزيران/ يونيو 2017، يوم قرر الإخوة أنْ يدقُوا بينهم عِطْرَ مَنْشِم كنذيرٍ للمقاطعة، فقررت كلٌّ من السعودية والبحرين والإمارات، ومعهم مصر وبعض الدول قطعَ العلاقات الدبلوماسية مع الشقيقة قطر، واستمرت تلك القطيعة قرابة 3 سنوات، بذريعة دعمها للإرهاب. نفت قطر تلك الادّعاءات، وعدّتها محاولة للنيل من سيادتها وقرارها المستقل.
بدأت الأزمة بفرض حصارٍ برّي وجوّي وبحريٍّ على قطر، فما كان من الأولى إلا أنْ دعت إلى الحوار المباشر بين جميع الأطراف لتجاوز الأزمة، في حين وضعت الأخيرة 13 شرطا على قطر تنفيذها قبل البدء بالحوار، ورفضت الوساطة الكويتية الأمريكية لحل النزاع.
كان للحصار والأزمة الخليجية آثارٌ سلبية على القطَريين، مادية ومعنوية طالت الشركات والمؤسسات والمواطنين. وربمّا كان أقساها عليهم وأكثرها إيلاما هو منعُهم من أداء مناسك الحج.
تخيّل أنّك تذوب شوقا إلى مكّة، وقلبك يتفطّر ألما إلى حجٍّ لاتستطيع إليه سبيلا؛ بسبب حصار وعلاقات سياسية بين الدول.
كم من الدموع ذُرِفت في الأعوام المنصرمة، وكم من قلوبٍ لَهَجَتْ بالدّعاء إلى ربّها، ولكَ أنْ تتخيّل كم من الغصّات التي بلغت الحناجر مع كل حرمان من الوقوف على عرفة، وكم روحاً فارقت الحياة وهي تحلم بأداء هذه الفريضة العظيمة والشّعيرة المباركة!.
وأمّا تأثيرها عربيا، فكان لها أثر على العرب قاطبة. وعن ذلك يحدّثنا الأستاذ محمدّ بقوله:
“إنّ هذا التفرّق يضعف الأمّة، ويظهر العرب بمواقف سيئة أمام حضارة الغرب، ويخدم مصالح إيران في المنطقة التي هي المستفيد الأكبر من تأجيج هذا الصراع”، وأضاف قائلا: ” إن هذا الصراع جعل من البلدين أضحوكة بسبب التراشقات الكلامية، والأغاني السّاخرة، الأمر الذي جعل الدول تنقسم قسمين مابين مؤيد ومعارض”.
وكان من أهمّ آثارها أيضا انعكاسُها سلبياً على الثورة السورية، وعن هذا يحدّثنا الأستاذ أحمد بقوله :
“أثّرت الأزمة الخليجية على الثورة السّوريّة، وعلى مجريات الأحداث فيها، فكان للسعودية دعم، ولقطر دعم آخر، وهذا بدوره خلق تنافساً بين الفصائل، وأدّى إلى اشتباكات بينهم كان من الأَوْلى أنْ تُوجّه إلى النّظام الذي فتك في البلاد والعباد”.
وبعد هذه الفرقة تُطلّ علينا اليوم المصالحةُ الخليجية، تَرْفُلُ بثوب التسامح والمحبة التي أظهرها كل من ولي العهد السعودي وأمير قطر، فضلا عن تغريدات السعوديين والقطريين على حدّ سواء الذين فرحوا بالصلح بعد أن ضاقوا ببعضهم ذرعاً فيما مضى، وأكّدوا على أنّ الصلح خير، وأنّه أشبه بعودة الرّوح إلى الجسد.
ناهيكَ عن ترحيبهم اللافت للنظر بهذه الخطوة التي قلبت الموازين ما بين عشيّة وضحاها.
فهل سَتَتَكَلَّلُ هذه الخطوة بالنّجاح، وتكون سبيلاً إلى طيّ 3 سنوات عجاف؟ أم أنّها ستواجه عراقيلَ وتحدّياتٍ من شأنها أنْ تُذْهب هذه الفرحة العارمة. وختاماً نقول:
وكلُّ بابٍ وإنْ طالت مغالقه .. يوماً له من جميل الصّبر مفتاح
بقلم : ظلال عبود