إسطنبول: اتسمت الدورة الأولى لاجتماعات اللجنة الدستورية السورية بالجدية، واختتمت أعمالها في مدينة جنيف السويسرية، الجمعة، تحت رعاية الأمم المتحدة.
ويأتي انعقاد اللجنة تنفيذا لأحد بنود قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 (لعام 2015)، على اعتبار أنها بوابة للانتقال السياسي في سوريا، عبر صياغة دستور جديد، وتأمين البيئة الآمنة والمحايدة لإجراء استفتاء على مسودة دستور، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، بناءً على دستور جديد.
ومن اللافت للنظر في هذه الجولة (بدأت في 30 أكتوبر/ تشرين أول الماضي) أن جميع الأطراف قبلت بالدعوة المرسلة من المبعوث الأممي، غير بيدرسون، والتي تفيد في طياتها بأن سوريا بحاجة إلى إصلاح دستوري شامل وعصري يلبي طموحات وتطلعات الشعب السوري في دولة مدنية ديمقراطية تعددية من جهة، والانخراط مع بيدرسون بعمل اللجنة والحرص على نجاح عملها من جهة ثانية، فضلا عن التفاعل والضغط الدوليين بعد فتور دام لسنوات من جهة ثالثة.
وجاءت الرسالة، التي أرسلها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى رئيس مجلس الأمن، بتاريخ 26 أيلول/ سبتمبر، مرفقة بالاختصاصات والعناصر الأساسية للّائحة الداخلية للجنة الدستورية.
وأفادت الرسالة بأن كلا من “حكومة الجمهورية العربية السورية، ولجنة المفاوضات السورية” (المعارضة) وافقت على تلك اللائحة.
كما أفادت بأن المبعوث الخاص سيعمل على تسهيل عمل اللجنة، “تنفيذا منه للولاية المسندة إليه، بموجب قرار مجلس الأمن 2254″، وهي أساس انطلاق أعمال اللجنة الدستورية بين هيئة التفاوض السورية وحكومة النظام.
ولا يخفى على أحد أن جميع الأطراف السورية والدولية أقرت بمخرجات مؤتمر الحوار السوري، في مدينة سوتشي الروسية بداية 2018 برعاية الدول الضامنة لمسار أستانة، وهي: تركيا، روسيا وإيران.
وتضمنت المخرجات الموافقة على بنود المبادئ العامة الـ12، التي عملت هيئة التفاوض السورية مع الأمم المتحدة عليها لفترة طويلة، وأن هذه المبادئ هي بمثابة الهيكل العظمي للدستور الجديد.
كما توافقت جميع الأطراف على القواعد الإجرائية ومدونة السلوك، التي حددتها الأمم المتحدة خلال الدورة السابقة، بالتنسيق مع هيئة التفاوض السورية والحكومة وممثلي منظمات المجتمع المدني، وهي الضابط لعمل اللجنة ومخرجاتها.
أداء إيجابي للمعارضة
وفد المعارضة في الجولة الأولى كان أكثر ديناميكية وإيجابية وكان الأداء سياسيا تكتيكيا، مع وجود أصوات مناهضة لإطلاق عمل اللجنة الدستورية.
ويتخوف الكثير من السوريين من أن تكون اللجنة هي المسار الوحيد للحل في سوريا، وترك باقي السلال من الحكم الانتقالي والانتخابات والإرهاب، ما قد يؤدي إلى تعويم نظام بشار الأسد مجددا وبقائه في السلطة، حسب وجهة نظر تلك الأطراف، والتي ربما تكون محقة إذا لم يتم تفعيل المسارات الأخرى.
انقسام المجتمع المدني
أما مجموعة المجتمع المدني، وهي الثلث الثالث في اللجنة الدستورية، فانقسمت إلى قسمين، الأول أقرب إلى مجموعة هيئة التفاوض، والثاني أقرب إلى مجموعة حكومة النظام.
كان الاصطفاف واضحا من خلال مداخلات القسمين، حيث تركزت مطالب القسم الأول حول ضرورة صياغة دستور جديد، وتحقيق انتقال سياسي، وإطلاق سراح المعتقلين، ووقف العمليات العسكرية ضد المدنيين في محافظات إدلب وريف حماه واللاذقية.
بينما تركزت مطالب القسم الثاني على إجراء إصلاحات لدستور 2012، وعدم الخوض في عمق الدستور، في انسجام مع مطالب النظام.
شعارات حكومية
مقابل تلك المواقف، ركزت مداخلات أعضاء وفد الحكومة على “شعارات” عصرية دستور 2012، وتفوقه على دساتير العالم، والتحيات للجيش السوري “حامي الوطن”، والمطالبة بنقل أعمال اللجنة إلى دمشق.
وأصر وفد الحكومة على أنه مدعوم منها، ولا يمثلها، وحاول إضاعة وقت الجلسات في تعريف المواد الدستورية بين سياسية وقانونية، وأنه لا يستطيع العمل أكثر من ساعتين يوميا، إلى أن تم الاتفاق على أربع ساعات عمل يوميا، يتخللها استراحة غداء.
تحديات عديدة
كل ما سبق يبين التحديات والعوائق التي تعترض عمل اللجنة، ولتسهيل فرص النجاح قدم وفد هيئة التفاوض مقترح لجدول أعمال وورقة عمل تتضمن الأفكار والمقترحات التي وردت في كلمات أعضاء اللجنة الـ150.
بينما لم يقدم وفد الحكومة أية أوراق، واكتفى وفد المجتمع المدني بنقاش الورقة المقدمة من هيئة التفاوض.
كما طالب وفد هيئة التفاوض بأن يكون عمل لجنة الصياغة لثلاثة أسابيع متواصلة، والاستراحة لأسبوع واحد.
لكن هذا الطلب قوبل بالرفض أيضا، وتم الاتفاق على أن تكون كل جولة لمدة أسبوع عمل واحد في جنيف.
جدية وضغط دولي
مما سبق، ومن خلال المداخلات، تتضح تباينات بين طرفي وفد هيئة التفاوض ووفد الحكومة.
ومن أجل نجاح عمل اللجنة الدستورية لا بد من تحقيق التالي:
1- جدية النظام والتوقف عن تسمية وفد هيئة التفاوض السورية بالطرف الآخر، واتهامهم بالإرهاب والعمالة، بينما يجلس معهم ويكتب الدستور لسوريا الجديدة.
2- ضغط دولي من جميع الأطراف، وهي الأمم المتحدة ومجموعة دول مسار أستانة ممثلة بتركيا وروسيا وإيران، والمجموعة الدولية المصغرة، وهي الدول الغربية والعربية، تتقدمها الولايات المتحدة الأمريكية.
3- البدء بتنفيذ إجراءات بناء الثقة والعمل الفوري على إطلاق سراح المعتقلين وكشف مصير المغيبين، وهي إجراءات موجودة بالأساس في القرار الأممي 2254، الذي تُعتبر اللجنة الدستورية جزءا منه.
4- البدء بالعمل على السلال الأخرى وهي (هيئة الحكم الانتقالي، الانتخابات والإرهاب). وهو ما طالبت به هيئة التفاوض عبر مذكرة رسمية سلمتها للأمم المتحدة، في 7 نوفمبر/ تشرين ثاني الجاري.
وعليه تُعقد الجولة القادمة للجنة الدستورية في 25 من الشهر الحالي، وتبدأ أعمالها بشكل حقيقي مترافقة مع النقاط الأربع السابقة، ولديها فرص كبيرة للنجاح وتحقيق تقدم في العملية السياسية، ما يشكل أملا في رفع المعاناة عن السوريين جميعهم، وخاصة المتواجدين تحت القصف وفي بلاد اللجوء والاغتراب.