أصرت رند أن تكون ليلة عمرها مميزة وأن تحتفل برفقة صديقاتها وعائلتها رغم الظروف الصعبة والحملة الشرسة التي تتعرض لها مدينتها ادلب من قبل طيران النظام الحربي بمختلف أنواع الصواريخ والقنابل، إلا أن الحياة لابد أن تستمر ليجد الفرح طريقا يشقه إلى قلوب أنهكتها الحرب، وقد يبدو ضيقا إلا أنه مازال موجودا بوجود الأمل والتفاؤل في نفوس السوريين.
قد تكون فكرة جريئة أن تقيم احتفالا بمناسبة الزفاف وسط ظروف قاسية تعيشها مدينتك، لكن رند ذات 24 عاما كانت تؤمن بقضاء الله وقدره، وأن الحياة لن تتوقف عند هذا الحد، ورغم الانتقادات التي سمعتها من أقربائها ووالدتها على وجه الخصوص التي قالت لها:” حدا بيعمل عرس وفرحة بهالوقت، خلص بيجي بياخدك عالسكت شو بدا تحكي العالم علينا”.
لكن رند قررت أن تكون “القبضة” اللاسلكية رفيقتها أثناء حفلة وداعها، لتضفي نوعا من جو الدعابة وتنسي صديقاتها ووالدتها الجو الكئيب والمشحون بالتوتر لدى سماعهم صوت الطائرة، وما إن تحذر مراصد القبضة من تواجد الحربي في سماء المدينة يطفئون الموسيقا وينتظرون أن ترحل بسلام، لتعود الحفلة إلى ماكانت عليه بجو من الألفة والمحبة بين الحاضرين.
غيرت الحرب كثيرا من العادات كما يسميها البعض “ذكريات الزمن الجميل”، لتصبح الحفلات باختلاف مناسباتها سواء حفلات الزفاف أو مناسبات الولادة والنجاح أو التخرج من المنسيات لأسباب مختلفة قد يكون الوضع المادي المتردي الذي فرض عليهم، إضافة للضغوط النفسية والاجتماعية التي ساهمت بانحسار تلك العادات.
فلا يكاد يخلو بيت سوري بغض النظر عن انتماءاته أو طائفته، من وجود شهيد أو معاق أو مغترب إثر الظروف الراهنة التي أرخت ثقلها عليهم وأوجعت قلوبهم بحرمانهم لأحبتهم وبتردي وضعهم المعيشي.
خمس سنوات مضت والسوريون وجعهم واحد، والأمور تزداد سوءا مع ارتفاع حدة قصف النظام للمناطق المحررة، فلا أمل بحل قريب يخلصهم من حياة يشوبها التوتر والخوف، رغم التنديدات المستمرة من قبل المنظمات الإنسانية والمطالبات بتأمين مناطق آمنة أو عازلة ليعيشوا بمأمن في بيوتهم وينعموا بحياة طبيعية كغيرهم، لكن للأسف تبقى مجرد اقتراحات لم ولن ترتقي لتصل لمرحلة حتى المناقشة والبت بها.
ولعل مايقاسيه السوريون يوما بعد يوم أكبر دافع لهم لاسترجاع ولو بشيء بسيط من عاداتهم وموروثاتهم الاجتماعية بعد أن يئسوا الانتظار والحلول المؤقتة، فليلة العرس حلم كل فتاة لترتدي بها فستانها الأبيض لتزف لعريسها وتبدأ بعدها حياتهما معا.
تمسك رند باقة الورد التي صنعتها لها عمتها من حديقة منزلها بيدها اليمنى، وتلتقط باليسرى القبضة وهي تدعو ربها أن تمر هذه الساعات بخير لتكون ذكرى زفافها لعريسها جميلة بعيدا عن أي حادثة سيئة محتملة الحدوث، تقول وهي تنظر لوالدتها بعين مفارقة:” ماما كان حلمك تشوفيني بالأبيض وهي حققتلك هالأمنية، رح نفرح ونتفاءل ونعيش حياتنا متل قبل وغصب عن كل حدا بدو يقهر إرادتنا ويحبطنا”.
هموم وقضايا – مجلة الحدث
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد