رأى خبراء ومراقبون فلسطينيون أن السياسات الإسرائيلية والأمريكية الأخيرة، تزيد من تفاقم الغضب الشعبي الفلسطيني، مستدلين بعدة شواهد، كان آخرها الهجوم الذي تعرض له جندييْن إسرائيليين، في مدينة جنين الأسبوع الماضي.
وأشاروا في تصريحات منفصلة لوكالة الأناضول، أن ردة فعل الشارع الفلسطيني الحالية، حيال الاقتحامات الإسرائيلية المتكررة لمناطق الضفة الغربية، غير معتادة، وتشير إلى وجود احتقان وغضب كبيريْن.
وتعرض جنديان إسرائيليان للاعتداء، ومصادرة سلاح أحدهما، ظهر الاثنين الماضي (12 فبراير/شباط الجاري)، بعد أن دخلا بطريق الخطأ لمدينة جنين، شمال الضفة الغربية.
وقال مراقبون إن تدخل قوات الأمن الفلسطينية، حال دون هلاك الجنديين على يد الفلسطينيين الغاضبين.
وفي السادس من الشهر الجاري، اقتحم الجيش الإسرائيلي مدينة نابلس بغرض إجراء عمليات تفتيش واعتقالات، لكنه فوجئ بردة الفعل الشعبية الغاضبة، وغير المسبوقة.
فقد هاجم مئات الشبان المركبات العسكرية الإسرائيلية، بالحجارة، والزجاجات الفارغة.
ونقلت صحف إسرائيلية عن ضابط قوله:” “دخلنا لعمليه أمنية في نابلس لاعتقال منفذ عملية اريئيل، فهاجمتنا المدينة بأكملها”.
وأضاف:” أطلقنا الرصاص بغزارة كي نستطيع الخروج بسلام”.
وانتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، لأحد الجنود الإسرائيليين، وهو يصرخ داخل جيب عسكري، خلال اقتحامه المدينة، يقول فيه “هذا آخر يوم لي، لن أخرج حيّاً”.
كما أظهرت مشاهد أخرى، مئات الشبان والفتية الفلسطينيين، وهم يلاحقون المركبات العسكرية، ويمطرونها بالحجارة، غير آبهين بزخات الرصاص التي أطلقها الجنود باتجاههم.
وخلال تلك المواجهات، استشهد شاب، وأصيب 110 آخرين، ٣٢ منهم بالرصاص الحي، و26 بالرصاص المطاطي، و ٥١ إصابة بالاختناق من الغاز المسيل للدموع، إضافة لإصابة شاب دهسه جيب إسرائيلي، بحسب الهلال الأحمر الفلسطيني (غير حكومي).
وانتهت العملية بانسحاب الجيش الإسرائيلي، بعد مواجهات عنيفة لم تشهدها المدينة منذ سنوات، ولم ينجح الجيش الإسرائيلي باعتقال منذ عملية الطعن.
ما حصل بنابلس، تكرر أيضا في مدينة جنين وبلداتها، خلال مطاردة الجيش الإسرائيلي للشاب أحمد جرار، الذي اتهمت إسرائيل بقيادة خلية عسكرية قتلت مستوطنا الشهر الماضي، قرب نابلس.
فبعد عدة محاولات اعتقال، تخللها مداهمة عشرات المنازل، واعتقال 71 فلسطينيا، وهدم أربعة منازل لعائلة جرار، واستشهاد شابين، اغتال الجيش الإسرائيلي “أحمد جرار” فجر الخامس من فبراير/ شباط الجاري خلال تواجده في منزل ببلدة اليامون قرب جنين.
ويرى المحلل السياسي جهاد حرب، أن السياسات الإسرائيلية والأمريكية، وآخرها قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، يزيد الاحتقان في الأراضي الفلسطينية.
وأضاف لوكالة الأناضول:” هناك دوافع أصيلة لدى الفلسطينيين، تتعلق بمواجهة الاحتلال، وغياب الأفق السياسي لإنهاء الاحتلال من خلال الطرق السياسية، لكن السياسات الأخيرة، زادت من حدة الاحتقان ودوافع السكان لمواجهة إسرائيل”.
وتابع:” قرار الرئيس الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، إضافة لاستمرار الاستيطان والسيطرة الإسرائيلية على معظم المناطق، يزيد الغضب والسخط الشعبي”.
وأكمل:” تلك العوامل من شأنها أن تزيد من الاحتقان، والمواجهة مع الاحتلال كما حدث في نابلس وجنين، وخروج أعداد كبيرة من الفلسطينيين للمواجهة والقصاص من الإسرائيليين”.
وقال:” هناك تراكمات متعددة خلال السنوات الأخيرة من إجراءات احتلالية، تؤدي للانفجار”.
وأردف:” انفجار هذا الاحتقان، أحياناً يتم التعبير عنه بمظاهرات، سواء منظمة أو غير منظمة، لكن من المبكر الحديث عن انفجار كلي”.
واستدرك بالقول:” رغم ذلك، فالظروف مهيأة لمثل هكذا انفجار أو انتفاضة واسعة النطاق، هي تتحيّن شرارة هذا الانطلاق، لتراكم ظروف متعددة تساعد على الوصول لهذه المرحلة”.
ويتفق المحلل السياسي أحمد رفيق عوض، مع حرب في أن “انسداد الأفق السياسي بعد قرار ترامب، وتغوّل السيادة الإسرائيلية اتجاه الفلسطينيين، من حيث القتل والاعتقال والمصادرة، أدت لهذا الغضب الشعبي”.
وقال لوكالة الأناضول:” إضافة لتلك العوامل، فالفقر والبطالة وعدم التقدم، وتقطيع الطرق والحواجز الإسرائيلية المنتشرة بالضفة، من شأنها تأجيج الوضع الميداني”.
وتابع:” أسباب الغضب والانفجار مهيأة جداً، وإسرائيل زرعت الغضب الفردي والجماعي بين الفلسطينيين، وجعلت الموت والحياة متشابهين”.
وقال:” طالما لم يكن هناك انفراجه سياسية، أو تغير بالسياسة الإسرائيلية، سيزيد الغضب الشعبي ولا يمكن توقع إلى أي حد سيصل”.
وأضاف:” على الأطراف كلها أن تغير سياساتها اتجاه الفلسطينيين الذين يتحملون أكثر من طاقتهم”.
وختم حديثه بالقول:” إسرائيل تحكم شعباً بطريقة غير مسبوقة، تنكّل وتحاصر، وتسقط أحلامه بدولة مستقلة”.
من ناحيته، رأى الصحفي الفلسطيني أحمد البيتاوي أن ما جرى في نابلس وجنين مؤخرا، يدل على أن الشعب الفلسطيني عموماً، وفئة الشباب تحديداً، “تواق ومتعطش للمقاومة، ويدافع عن المطاردين والمطلوبين للاحتلال، ويحاول حمايتهم برغم من محدودية الأدوات والوسائل”.
وقال لوكالة الأناضول:” الشعب الفلسطيني شعب أعزل لا يملك السلاح، لكن كل فئة قدمت ما تستطيع، بعضهم قدّم دعماً لوجستياً لأحمد جرار، سواء خلال تنقلاته أو مبيته أو تأمين الطعام، والاحتلال اعتقل عدداً من الشبان ووجه لهم تهمة مساعدته وخليته، والبعض الآخر، تصدى للقوات الإسرائيلية”.
وأضاف:” نحن لا نتحدث عن أفراد معدودين، إنما عن آلاف شاهدناهم في جنين ونابلس، والجيش الإسرائيلي اعترف خلال الاقتحام الأخير لنابلس، بضراوة المواجهة والاشتباك وتصدي الشبان للجنود دون خوف”.
ولفت البيتاوي إلى أن الفلسطينيين الآن “أمام فترة صعود للنفَس المُقاوم في الضفة، وأن هذا الأمر دق ناقوس الخطر بالنسبة لإسرائيل”.
ودليل ذلك، بحسب البيتاوي، أن الجيش الإسرائيلي أعلن عن تعزيز قواته في الضفة الغربية.
وشهدت الضفة الغربية مواجهات في عدد من نقاط التماس مع الجيش الإسرائيلي، يوم الجمعة الماضي، أصيب خلالها عشرات الفلسطينيين.
وذكر البيتاوي، أن إسرائيل كانت تقول إن المواجهات التي أعقبت إعلان ترامب، هي “أحداث محدودة”، وهو ما ثبت أنه غير صحيح، وبات يخشى اليوم من توسع المواجهات وانتقالها للعمل المسلح”.
الاناضول