المركز الصحفي السوري
علي الحاج أحمد 29/12/2014
في غياب شبه تام لمقومات الحياة الاساسية، وأمام تحديات كبيرة على المستوى المعيشي، كانت الحاجة ملحة لإيجاد بدائل تقي السوريين تدهور وضعهم المعيشي، فانتشرت مهنة جديدة في المناطق المحررة وهي مهنة “تكرير النفط”.
في ظل توقف توريد المحروقات وارتفاع أسعارها في السوق السوداء، حيث وصل سعر ليتر البنزين النظامي إلى 350 ليرة سورية وقد ولدت فكرة ابتكار مصافي بدائية الصنع. هذا الابتكار المستحدث على يد القرويين في مناطق سوريا المحررة يوفر الوقود اللازم لسد حاجيات الناس من التدفئة، وتشغيل الآليات ووسائل النقل، ومولدات المخابز،
“أبو شادي” أحد العاملين في هذا المجال وقد أخبرنا كيف تتم عملية تكرير النفط يدويا،ً عن طريق “الحراقات” على حد تعبيره وهو خزان معدني بثلاث فوهات، ومن ثم توصيل تلك الفوهات بثلاثة أنابيب، أنبوب لتزويد الفرن بالنفط الخام، والأنبوب الثاني الواصل مع الفرن من طرف مواز والغاطس تحت ماء بارد بمسافة تقدر من أربعة إلى ستة أمتار، ينتهي في إفراز أصناف المحروقات على دفعات متتالية، وتكمن مسؤولية الأنبوب الثالث في رمي المخلفات والبقايا من الشحوم والزيت إلى البركة المخصصة لها.
والخطوة الثانية هي إضرام النيران بالإطارات الموضوعة أسفل الخزان، بالتزامن مع إغلاق المنافذ والفوهات بشكل محكم، عدا عن ترك فوهة صغيرة الحجم مفتوحة للتنفيس عند اشتداد الغليان. وحين ترتفع درجة الحرارة إلى مستوياتها المطلوبة، يفرز الأنبوب الثاني مادة البنزين أولاً، كونه أخف وزناً، ويليه مادة الكاز، ثم يأتي الدور على مادة المازوت، بينما يختلط الكيروسين والغازات والمشتقات النفطية الأخرى مع تلك العناصر الثلاثة.
وتمييز تلك الأصناف عن بعضها البعض يتم عبر اللون والرائحة، أي الاعتماد على حاسة الشم والرؤية، ومن ثم نقوم بفلترة هذه الأصناف لتصبح أكثر جودة ولاكنها تبقى أقل جودة من الأصناف النظامية، أما سعر هذه الأصناف المكررة (البنزين 140 ـ الكاز 125ـ المازوت 100 ليرة سورية).
وتكمن مخاطر هذه العملية بإنفجار أحد الخزانات نتيجة الضغط الناجم عن عملية الغليان، وذكرت إحدى الإحصاءات الصادرة عن منظمة حقوقية محلية، أن عدد الوفيات جراء تفجير “الحراقات” تجاوز الـ 40 شخصاً.
إن عمليات التكرير التي تتم ضمن الأراضي الزراعية تسبب أضراراً بالغة على جودة التربة في المنطقة وقد يحتاج علاجها لسنوات طويلة بسبب ترسب المواد الناتجة عن الاحتراق والدخان على أوراق النباتات الزراعية وفي التربة والمياه وانتقالها إلى الإنسان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أما الحراقات التي بين المساكن سببت أضراراً مباشرة على حياة السكان.
وقد أخبرنا أحد الأطباء الأخصائيين بالأمراض الصدرية” تزايدت الحالات المرضية التي يعاني منها العاملون بتكرير النفط كضيق في التنفس، والالتهابات الرئوية، نتج عنها حالات وفيات بالعشرات خلال الأشهر الأخيرة وهناك عشرات حالات الاختناق بين الأطفال، وعدة حالات موت، يرجح السبب الأكبر لها هو استنشاق غازات سامة منبعثة من الحراقات المنتشرة في محيط التجمعات السكنية، بالإضافة إلى الأمراض الجلدية المزمنة”.
أما الآليات التي تعمل عمل على الوقود “المكرر” إزداد عددها بشكل ملحوظ أمام محلات الصيانة بسبب رداءة هذه الأصناف من المحروقات.
ولاكن لا بديل أمام السوريين.