كانت طفلة تلهو مع صديقاتها و تمضي وقتاً في صنع دميتها المحببة بكل سعادة وفرح، ترسم أحلاماً عريضةً في أن تصبح بالمستقبل طبيبةً أو معلمةً, لكنها اليوم أصبحت زوجة و أماً لطفلٍ صغيرٍ على حدٍ سواء.
ولأن رقعة الحرب لازالت مستمرة في البلاد السورية التي تعاني موجة نزوحٍ متزايدة، سبب ذلك بمفاقمة الوضع الإنساني والضغط على الفتيات والنساء حيث أصبحنَ عبئاً ثقيلاً على أهالهن, فالفتاة إما أنها ستخرج للعمل للحصول على المال الأمر الذي يجعلها عرضةً للاستغلال وربما للتحرش و الابتزاز أو أنها تتزوج لتخفيف الأزمة المالية.
باتت النساء اليوم تعاني مشكلة زواج القاصرات هذه الآفة التي تشهد زيادةً مستمرة بسبب الحرب و قلة أعداد الذكور أو النزوح القسري.
وأكد ناشطون في الشأن الاجتماعي أن هذه الظاهرة التي دأب النظام على تكريسها في الشمال المحرر, بغية تهميشه, رسخها فشل المجالس المحلية في إيجاد حلول للحد من انتشارها؛ وتشير دراسات طبية متخصصة أن زواج الإناث في عمر مبكر قد يعرضهن لأمراضٍ عضويةٍ دائمة, فضلاً عن الآثار النفسية التي قد تلحق بالطفلة وأولادها سواءً بسواء.
وأشار تقرير الأمم المتحدة عام 2015 إلى أن 14 % من حالات الزواج في سوريا تندرج تحت الزواج المبكر, كما ارتفعت هذه النسب في مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان لتصل الى 32 %, وفي مخيمات الأردن إلى 34%. كما وتشير إحصائيات أخرى إلى أن نسبة زواج القاصرات في سوريا كانت تصل الى نحو7% قبل الحرب, وارتفعت خلال سنوات الحرب الى 14 % فيما تقول منظمة الأمم المتحدة أن 70 % من اللاجئين السوريين هم من النساء والأطفال.
العوامل التي ساهمت في انتشار زواج القاصرات.
تفشي الفقر وقيام بعض الأسر بتزويج بناتهم قسراً. غياب الوعي لدى الأهالي حيث لا يزال قسم كبير منهم يرى أن الفتاة “عاراً” و”مجلبةً للفقر” لذا يزوجونها لإزاحة العبء عن كواهلهم.
_النزوح وقلة الإمداد الغذائي.
_الخوف من الوقوع في حالات اغتصاب وتحرش من ضعاف النفوس خاصةً أن معظم اللاجئين يعيشون ضمن الخيام.
ومما لا شك فيه أن أعمار الفتيات المجبرات على الزواج اليوم تتراوح بين الثانية عشرة والخامسة عشرة حيث تحملت النساء وزر العادات والتقاليد الاجتماعية التي أطرتهن بدور” ربه منزل” ولعب الزواج المبكر الدور الأكبر في الحد من قدرات النساء, فغالباً ما تحرم الفتيات من متابعة تعليمها وممارسة حقها في عيش مراحلها العمرية المكتملة وبالتالي اكتساب تجارب حياتية تمكنها من العيش باستقلالية مما جعلها في موقع الاستكانة للسلطة الذكورية, وكل من هو في موقع مسؤول عن إعالتها مادياً واجتماعياً، يأتي ذلك من أن الكثير من مجتمعاتنا يعتبرون أن الزواج وسيلة لحماية عذرية الفتاة و شرفها وبالتالي الحفاظ على سمعة الأسرة, وأكد هذا المعيار السائد في عدم المساواة بين الجنسين، بغض النظر عن نتائج الزواج المبكر على الفتيات من مضاعفات الحمل والولادة واحتمال تعرضهن للعنف وضياع فرصة التعليم و تقيد حريتهن بشكل عام. وتقول السيدة(أ_س) تزوجت في سن الثانية عشرة من عمري وعانيت الكثير في حياتي الزوجية خاصة مع أهل زوجي، وتكمل أنها لم تستطع تحمل كم المشاكل والضغوطات لتصبح امرأة مطلقة بعد زواج دام ثلاثة أشهر.
أما السيدة(و_أ) تقول أنها تزوجت في الخامسة من عمرها من شاب انضم لصفوق المعارضة المسلحة لتجد نفسها قد أصبحت أرملة بعد مقتل زوجها في إحدى المعارك الدائرة مع النظام, بعد زواج دام سنة ونصف.
منهم من رأى أن زواج اليافعين أمراً ضرورياً فالشاب (أنس) قد تزوج وعمره لم يتجاوز السابعة عشرة من فتاة تبلغ الثالثة عشرة، والشاب( أسد) البالغ من العمر سبعة عشر عاماً تزوج من فتاة تبلغ من العمر السادسة عشرة.
هذا وتسعى منظمات المجتمع المدني بشكل مستمر لمحاربة ظاهرة الزواج المبكر في مناطق الشمال السوري, من خلال حملات توعية تستهدف الأهالي في المخيمات والقرى والبلدات كما تقوم مراكز الدعم النفسي بتقديم المشورة اللازمة بهذا الخصوص حيث تساعد المراكز الصحية في إدلب في تنظيم حملات توعية للتعريف بمخاطر زواج القاصرات كما تحدثت الناشطة الحقوقية “وداد حال” وأضافت “رحال ” أنه يجب مساهمة مراكز التمكين الخاصة بالمرأة في التنوير الفكري.
وعلى الرغم من كثرة المبادرات المجتمعية التي تنادي بالحد من ظاهرة زواج الفتيات بعمر مبكر وزخم الورشات التوعوية في ذلك إلا أن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام تشهد يومياً مزيداً من حالات تزويج القاصرات .
وعل نفس السياق فالطفلة التي لم تكتسب أسس التربية لن تكون مصدراً لقرارات سليمة وحكيمة وغير قادرة على تربية أولادها, إضافة إلى شعورها بأنها عبء ثقيل على أسرتها نظراً لتزويجها وهي صغيرة
فداء معري / المركز الصحفي السوري