صناعة الرخام صناعة قديمة وتعتبر من الصناعات التقليدية السورية فمن الأعمدة الرخامية لمدرج بصرى إلى الرخام المستعمل في بناء جامع امية الكبير، وصولا إلى الرخام المرمر في سوق الحميدية ومرورا بالتماثيل الرخامية التدمرية، فهذه الصناعة قديمة قدم الحضارة في سوريا فاشتهرت الحضارات السورية بالفن المعماري مستخدمة شتى أنواع الرخام وألوانه.
تعطي عواميد بصرى انطباعا بفخامة البنيان وروعة الهندسة الرومانية، عبر أحد السياح الذي مازالت صورة المدرج بذهنه إلى الآن:” عانقت العواميد الأثرية البيضاء في مدرج بصرى ضوء الشمس لتعكس لونه المبهج في ترتيب هندسي رائع بتيجانه الكورنثية التي تزين منصة المسرح، فكان مشهدا من أجمل ما رأيت”، ولا يمكن إغفال الجامع الأموي ببصمته الأموية والروح الإسلامية العريقة فيه، فاستخدموا في بنائه الفسيفساء والزخارف الرخامية المنقوشة في المحراب والمنبر.
طالما أبهرتنا الآثار السورية وأعطتنا فخر انتمائنا لهذه الحضارات ولهذه الأرض ودوما آلمنا ما يحدث في سوريا من سرقة ونهب وتدمير للآثار بسبب الانفلات الأمني الذي انعكس بشكل خاص على التماثيل الرخامية في مدينة تدمر، فالكثير من التماثيل تعرضت للسلب والسرقة وأيضا للكسر والحرق مما يضع الإرث التاريخي السوري على المحك.
حملت الكثير من الأعمال الرخامية التاريخية تواقيع المرخمين السوريين (القائمين على صناعة الرخام والتزيين به) ليس فقط في سوريا بل تجاوز حدودها إلى جميع المماليك فقد تنافس السلاطين على استخدام هذا الفن وحمل منبر الجامع الأزرق وجامع عمر قوصون في القاهرة أسماء حرفيين سوريين.
ولم تزل حرفة الترخيم موجودة ولو بشكل نادر في الوقت الحالي فتزيين الجوامع والمنابر والمنازل القديمة والحديثة كانت ولا تزال بروح شامية عريقة والتي أثرت عليها الأزمة السورية لحال القصف ولاعتبارها من الكماليات التي لا يستطيع المواطن تحمل تكاليفها فقد يصل سعر متر الرخام الى (5000ليرة ) إلا أن البعض يحاول الحفاظ عليها واقتناء الجدران المزركشة والمعشقة والمطعمة بالألوان الضبابية الجميلة، فأبو محمد يواظب على تجهيز منزله حرصا على هذا التراث على حد تعبيره “إذا غيري نسي تاريخ هالبلد انا مارح انسى كرمال ولادي”.
أساليب الترخيم كثيرة أبدع السوريون استخدامها كالتعشيق أي ازالة1 سم من الرخام ووضع قطع رخامية ملونة وأخرى كالتطعيم والحز والتي استخدمها الحرفي السوري بكثير من الأبنية التي لا تزال شاهدة على العبقرية الفنية للسوريين منذ القدم.
لم تتوقف أعمال السوريين هنا بل تطور الترخيم من مهنة فنية إلى تجارة بالرخام، كما غزا الرخام السوري الأسواق العربية والأجنبية منافسا بالجودة الصناعية فانتشرت العديد من المقالع الرخامية بكافة أنحاء القطر لتصدر للعالم إنتاجها من الرخام وقد يصدر السوري الرخام لكن لن يستطيع تصدير ذاك الفن العريق الذي ضرب بجذوره الحضارات السورية منذ الأزل.
آية رضوان
المركز الصحفي السوري