بدأ القادمون من ريف حلب للمدينة “السكن” في المنطقة الشرقية لطريق عبد القادر الجزائري، ليبدأ البناء على الأرض الزراعية، القريبة من مركز المدينة والرخيصة الثمن لتكون الحل الأمثل في ظل أزمة غلاء العقارات، فتوسع السكن بشكل متسارع باتجاه الشمال الشرقي في بداية الثمانينات باتجاه جبل الحيدرية، ليصبح عدد قاطني الحي 68 ألف نسمة بحسب إحصاء 2004، وبعد صدور قانون التطوير العقاري تم اختيار الحي ليكون الأول في حلب لتنفيذه.
نشأة الحي وتوسعه
بدأ السكن في حي الحيدرية عام 1972 حيث وجد القادمون من ريف حلب للمدينة في المنطقة الشرقية ضالتهم، وبدأ السكن يتوسع على أرض الزيتون شمال غرب الحي، في منتصف سبعينات القرن الماضي استملكت الحكومة السورية أرضا للنفع العام، في ثلاث أجزاء أساسية من الحي؛ الجزء الأول من هذه الأرض استولت عليه عناصر من أجهزة الأمن في منتصف الثمانينات، وقسموا هذا الجزء لمحاضر، ثم تنازلوا عنها للمدنيين مقابل مبالغ مالية، لتنشأ حارة المخابرات، التي تقدر مساحتها بـ 160 ألف متر مربع. أما القسم الثاني المستملك كان في قمة جبل الحيدرية، بنى المدنيون على هذه الأرض في بداية هذا القرن فنشأت ما تسمى بـ”حارة النهب”.
القسم الثالث المستملك تقدر مساحته بـ 554 ألف متر مربع، خصصه مجلس المحافظة للسكن الشعبي والذي سمي فيما بعد بالإنذارات وبدأ البناء على هذا الجزء عام 2000.
حاجة القادمين الجدد للسكن وعزوف ملاك المنازل الفارغة عن إيجارها، لخوفهم من قانون رقم 111 الصادر عام 1952، الذي يعطي المستأجر حق تمديد الأجار بشكل تلقائي وبالأجر ذاته، بالإضافة للتأخر في ضم الحي للمخطط التنظيمي، والقرب من المدينة التي توفر فرص عمل أدت للازدياد السكن غير المنظم في الحي.
الاختلاف التنظيمي لأجزاء الحي جعل الوثائق التي يملكها السكان تختلف بحسب الحارة التي يسكنونها، فالأراضي المنظمة والمنتشرة في حي الإنذارات والمخصصة للسكن الشعبي فيها بيانات رسمية صادرة عن مجلس مدينة حلب، وبموجب حكم محكمة في حال اللجوء لمحاكم الصلح، لاستصدار أحكام تثبت البيع والشراء.
أما في الحيدرية القديمة جنوبي عربي الحي الأرض منظمة (طابو أخضر) ومعدة للبناء ولكن لم يتم الإفراز الطابقي فيها.
أما السكن الشبابي شمال شرق حارة الإنذارات أربعين، فيملك المخصصين بمسكن دفتر سكن عليه اسم الشخص ورقم عقاره ومثبته بياناته في المؤسسة العامة للإسكان.
الأراضي الزراعية يملكها أشخاص على الشيوع وغير مفرزة وقد بنى الأهالي على قسم منها، ويملكون طابو أخضر زراعي بالأرض، وبيانات قيد وحكم محكمة.
قوانين وقرارات
استملكت الحكومة الجزء الشمالي من حي الحيدرية في السبعينات للنفع العام، ونظم مجلس مدينة حلب هذا الجزء بموجب القرار رقم 2426 عام 1990، وتم تخصيصها للسكن الشعبي عام 2000، وقسم مجلس المدينة هذا الجزء لـ 325 قطعة أرض صغيرة، مساحة القطعة 120 متر، وأعطى المخصصين بهذه الأرض من المنذرين بالهدم من حي المشارقة رخص بناء فيها، لينشأ حي الإنذارات 40، ولحظ المخطط وجود حديقة ومرافق عامة في الحي المذكور، وفي عام 2007، تم تعديل المخطط التنظيمي لحي الأنذارات40 وإلغاء الحديقة والساحات الصغيرة ما انعكس سلبا على البيئة الصحية في الإنذارات، وضم المخطط التنظيمي لحلب الصادر عام 2004 باقي الحي للمدينة.
في عام 2010 قرر مجلس محافظة حلب إخضاع الجزء الأكبر من حي الحيدرية لقانون التطوير والاستثمار العقاري رقم 15 لعام 2008، ليكون الحي الأول الذي يطبق عليه هذا القانون في حلب، وقسمت الحكومة الحي لثلاث مناطق جاهزة للتداخل لكنها منعزلة عن بعضها “ A,B,C” وبدأت المشروع في المحور الأول “ B” عام 2018 وأنجزت المرحلة الأولى عام 2020، وخدمته بالصرف الصحي وتعبيد الطرقات.
أثر الفساد والإهمال على الحي
الإجراءات والتعقيدات الإدارية التي عانى منه المنذرون بالهدم من أحياء حلب الأخرى، والمخصصين بقطعة أرض في الحيدرية منذ عام 2000، قد تستغرق عامين للحصول عليها، بالإضافة للكلفة المالية العالية، وعللت السلطات التأخير بسبب دراسة الإنذار واستحقاقه للتخصيص، ما دفع الكثيرين لبيع الإنذار للتجار والمقاولين الذين اشتروها من الأهالي، ممن يصعب عليهم الحصول على قطعة الأرض المخصصة لهم.
صرح أمين سر جمعية مرج الزهور في الإنذارات 40 سابقا، المحامي مصطفى الحمدو للمركز الصحفي أن علاقات بعض المقاولين المتاجرين بأوراق الإنذار بالهدم، كانت جيدة مع بعض موظفي البلدية، وكان صاحب الإنذار يمل ويتعب من الروتين، فيبيع الإنذار للتجار الذين ينشطون لشراء الإنذارات في الحيدرية، لأن تخصيص الأرض أو السكن قد يستغرق وقت طويل، بانتظار جلسة تخصيص الأرض التي يسرعها التجار بالتعاون مع بعض موظفي البلدية.
كما أضاف الحمدو الحمود للمركز أن النظام وضع إشارة استملاك بمنتصف السبعينات على أرض والده الزراعية في جبل الحيدرية قبل إبلاغه، ثم قدموا له تعويضا بـ 8 ليرات سورية كبدل استملاك للمتر الواحد، إلا أن السعر الحقيقي أضعاف ذلك بكثير، فأهمل والده معاملة تحصيله لأنها تكلف أكثر من تعويض استملاك الأرض نفسها.
يتابع الحمدو تصريحه للمركز: “أوقف النظام البناء السكني لجمعية مرج الزهور بعد 10 سنوات على تخصيصنا بأرض في الإنذارات بحجة أنها ستعطى للمنذرين بالهدم، رغم أن أعضاء الجمعية بنوها على نفقتهم الخاصة”.
صورة لسكن أعضاء جمعية الزهور
مشروع التطوير العقاري في حي الحيدرية
بدأت السلطات حملة الهدم عام 2018 حيث فجرت وزارة الدفاع الأبنية في الحي بذريعة وجود ألغام، وفي عام 2019 بدأ مجلس المدينة بتطبيق قانون تخطيط وعمران المدن رقم 23 لعام 2015، على حي الحيدرية كونه منطقة مخالفات جماعية، وتطبيق قانون الاستملاك رقم 20 لعام 1983، ويتيح هذا القانون تهيئة الأرض والبناء وفق مخططات تنظيمية، فهدم مجلس المدينة المنازل وشق طرق جديدة، وطرح المنطقة للاستثمار لبناء 2700 شقة سكنية من أصل 10 آلاف في مراحل لاحقة.
المقارنة بين مرحلتين تظهر نسبة الدمار
وصلت نسبة الدمار الجزئي والكلي في الحي لـ 45 بالمئة من الأبنية، بسبب قصف قوات النظام للحي بحسب دراسة قامت بها منظمة (urc ) الأمر الذي دفع أهل الحي للنزوح، واستعاد النظام سيطرته عليه عام 2016، ومن خلال المقارنة بين صور الأقمار الصناعية للحي بين بداية سيطرة النظام على الحي أواخر 2016، وحتى زمن تنفيذ عمليات الهدم في 2019، لوحظ إزالة أبنية كاملة في الجزء الجنوبي الغربي من الحي، وبعض المناطق المختلفة منه، وعاد للحي ما يقارب الـ 110 عائلات فقط.
لم تمنح هيئة التطوير العقاري في الحيدرية ضمانات حقوقية لأصحاب الممتلكات في مناطق السكن العشوائي، ففي ظروف تهجير القسم الأكبر من سكان الحي، تجري الهيئة مسحا اجتماعيا لتحديد حقوق الملكية مع أن المادة 13 من التعليمات التنفيذية للقانون 15 عام 2008، تنص على تأمين السكن البديل لشاغلي المساكن في المنطقة المطلوب تطويرها بمساكن بديلة داخل منطقة التطوير أو خارجها، وفقا لنتائج المسح الاجتماعي للشاغلين، أو التزام المطور العقاري بدفع بدل نقدي وفقا لاتفاق بينهما. وهنا نقطة مهمة، أن التعويض يكون لشاغل العقار وليس لمالكه، وسط تهجير القسم الأكبر من سكان الحي، ما يعني حرمانهم من حقوقهم.
عدلت الحكومة القانون رقم 25 عام 2011 ليتيح للمستثمرين التعاقد مع هيئة التطوير العقاري أو الجهة الإدارية في مجلس المحافظة، لأن مالكي العقارات لم يستطيعوا إثبات ملكياتهم بسبب الشروط الصعبة التي فرضت عليهم بالإعلان رقم 13 لعام 2020، الذي يطلب من ساكني الأبنية في المنطقة (B) التي نفذت فيها أول مرحلة من المشروع، مراجعة مديرية خدمات هنانو خلال شهرين ونصف فقط لتقديم أوراقهم الثبوتية التي تخص العقار، وشهادة هيئة اختيارية من مختار المنطقة، وسند تعهد لدى الكاتب بالعدل، ومحضر تركيب عداد كهرباء أو مياه، ووثيقة "استشهاد" رسمية لأحد أفراد العائلة، ووثيقة مصاب حرب للمستفيد، ووثيقة انتماء لجيش النظام.
وفي اجتماع لمجلس محافظة حلب مع مدير عام هيئة التطوير العقاري أحمد الحمصي، في تموز عام 2019، رأى غالبية أعضاء المجلس ضرورة التريث بمشروع التطوير العقاري، وقال عضو المكتب التنفيذي محمود عنبر: " أن المشكلة في قانون التطوير العقاري الحالي ، وأنه يجب تأجيل المشروع كون القانون بصدد التعديل ، وأن التجربة في الحيدرية لم تشهد نجاحاً، إضافة إلى عدم جدية شركات التطوير العقاري"، وقال عضو المكتب التنفيذي للمجلس الياس صقال: " يجب أن يتم التريث لحين تأسيس الشركة القابضة التي يعتزم المجلس تأسيسها وأن تكون شركات التطوير العقاري تحت مظلتها".
والمتابع للمشروع يجد تباطؤ حتى الآن بتنفيذ اعمال كبيرة متعلقة بالبناء والتنظيم، ولم يقدم النظام التعويض لمن بقي في الحي أو طرح أي آلية للتعويض حتى لحظة إعداد التقرير.
وغالبية السكان المهجرين لا يملكون وثائق شخصية أو عقارية، إما لعدم وجودها أصلا، أو لفقدانها خلال النزاع، أو لارتفاع تكلفة الحصول عليها، ما يجعل أملاكهم مهددة. ويعاني المهجرون من عجز في تثبيت حالات الوفيات والولادات وحالات الزواج الجديدة في سجلات النظام الرسمية بسبب لجوئهم أو نزوحهم، إضافة لاحتياجهم لموافقات أمنية صعبة للوكالات القانونية.
صورة من حي الحيدرية