تبدأ القصة بالتقاء بعض الشركاء على فكرة تأسيس عمل ربحي، تكون البدايات شديدة التقلب وضبابية الرؤية فالمصير مجهول والعوامل الخارجية المؤثرة على العمل كثيرة، الموارد محدودة، والمخاوف من الفشل أكثر من التفاؤلات بالنجاح.
هنا يتدخل عامل المخاطرة، فبمجرد تحلي الشركاء المؤسسين بروح التحدي والمغامرة بالرغم من توقع الخسارة، يبدأ العمل، ويتحول الحلم الى مشروع، ويبدأ العمل بتنفيذ المشروع.
تتسم هذه المرحلة بالحماس والاندفاع والتفاؤل، وبسبب كثرة العوامل الخارجية المؤثرة، وفي ظروف ضبابية الرؤية الناتجة عن العوامل التي ذكرناها آنفا، يتم التغاضي عن الاتفاق وتثبيت كثير من التفاصيل ويتم اعتبارها رفاهية غير واقعية وغير مطلوبة حاليا.
من هذه التفاصيل التي يتم التغاضي غالبا عنها في المؤسسات السورية رؤية المؤسسة، توزيع الأدوار بين الشركاء، أسس العلاقة بين المالكين والموظفين، وغيرها.
قد يجلس الشركاء أحيانا لمناقشة هذه التفاصيل، ولكنهم يغلقون النقاش دون اتفاق لأسباب عدة، منها ضبابية الرؤية التي ذكرناها، وعدم وجود الخبرة الكافية في ترتيب هذه الأمور، وأحيانا تدخلات على شكل نصائح وتوصيات من الآخرين، من الأصدقاء ومن الأقرباء ومن غيرهم.
يستمر التقدم في تنفيذ مشروع التأسيس، ويتم الاتفاق تماما على عدم مناقشة التفاصيل التي تم إغفالها.
الآن عند نجاح العمل ولو بشكل مبدأي، تبتدئ بذور المنافسة والتي تتحول أحيانا الى جمر تحت الرماد.
أنا أعمل أكثر وحصتي أقل، دوري هو الأخطر والأهم، أنا متضايق جدا من القرار الفلاني الذي ارغمنا عليه شريكي، أنا أرى أن تعامل مؤسستنا مع الزبون أو المورد الفلاني سيضر بها كثيرا ولكن شريكي غير مقتنع بذلك، الموظف الفلاني محسوب على شريكي فهو من وظفه، ما الذي يفعله الموظف الفلاني في مكتب شريكي وهم مغلقون الباب عليهم وقد تسمع ضحكاتهم من الخارج.
تبدأ المؤسسة بالتحول إلى كتل حزبية، كل حزب بما لديهم فرحون، حزب لكل شريك، وأحيانا تجد موظفين ليسوا في أي حزب أو موظفين موجودين في كل حزب.
بطبيعة الحال في أي مؤسسة هناك هيكلية إدارية وتسميات وظيفية معلنة ولو بأبسط شكل ممكن، ويكون هناك هيكلية غير رسمية موازية، ناتجة عن العلاقات غير الوظيفية بين العاملين، مثل القرابة والصداقة الشخصية، وقوة الشخصية مقابل ضعف الشخصية، والعدوانية مقابل السلبية، وصاحب المعلومات الكثيرة مقابل الجاهل، …
الهيكلية غير الرسمية تتحكم بكثير من المسائل والتي بعضها حساس وخطير بالنسبة لمصير المؤسسة، وهنا تتفاقم التناقضات، يرفض بعض الموظفين الهيكلية غير الرسمية ويترك أغلبهم العمل لذلك، ويرضخ الباقي لها ويعتبرها قضية مسلم بها في هذه المؤسسة.
السائق الخاص لأحد الشركاء يتحول الى آمر ناهي يخطب وده في كثير من المسائل، سكرتير يخيف مدراء ويقوم بفصلهم إن لم يعجبوه، موظف صغير يمسك ملفات حساسة على مدير ما تجعله يتحكم به تحت طائلة التهديد بالفضيحة، …
يغرق الشركاء بالمهاترات الحزبية وردات الفعل المتبادلة، ويهملون جزءا جيدا من العمل.
الشريك الأقوى ماليا أو سنا أو … يتحكم بالمؤسسة بقدر أكبر بصرف النظر عن الهيكلية الرسمية والتي كثيرا من الأحيان لاتجزم توزيع الأدوار بين المالكين غالبا كما ذكرنا آنفا.
الموظفون يبحثون فقط عن “كلمة من ستنفذ” و “كيف وجه فلان لكمة في الوجه أو طعنة في الظهر لفلان” ومن يقوم بما يسمى “طق البراغي” أي الوشاية بالآخرين، ومن يعتمد مبدأ “تمسيح الجوخ” أو “المكولكة” هذا ما يشغلهم داخل وخارج العمل.
الشريك الأقوى يحول قسمه إلى القسم الأكثر دلالا وامتيازات والأكثر سيطرة وتحكم بالمؤسسة ومقدراتها.
وقد يتطور الأمر أكثر فيصبح الجو وبيئة العمل مكهربة ومشحونة، وعندما يدخل أي غريب لمواقع المؤسسة فسيحس خلال بضعة دقائق بالتوتر والضيق.
لن أكمل ما يحدث عادة في هذه المؤسسات فالجميع يمكنه توقع ذلك وكل الاحتمالات قائمة.
لكن السؤال هنا ما هو ترتيب الخاسرين في هذا الجو؟
الخاسر الأكبر نجاح العمل والمصلحة العامة التي تم تغييبها بالكامل، بعد أن غابت أصوات التعقل وارتفعت أصوات الغوغائية.
الخاسر الثاني الموظفون الذين سيخسرون عملهم بطريقة أو بأخرى، أو سيستمرون في جو عمل ملوث ومسمم.
الخاسر الثالث هم زبائن المؤسسة وعملاؤها ومتلقو خدماتها.
والخاسر الأخير هم الملاك والشركاء.
برأيكم، ما هي أهم الأشياء التي كان يمكن عملها لتجنب الوصول إلى هذه الحالة؟ وأين هي أكبر الأخطاء التي أدت إلى هذا الوضع المأساوي؟
ننتظر آرائكم، وسنناقش الحلول في مقال لاحق في الأسبوع القادم بإذن الله.
بقلم: خليل آغا