يقفُ أبو أحمد محتاراً أمام محل بيع الحطبِ والبيرين، فالنقودُ محدودةٌ، وبردُ الشتاءِ لايُقاوَم ، ولاخيارات أمامه إلا الشراء ولو بكمياتٍ محدودة.
“نزحنا من ريف إدلب الجنوبي، كنّا نستخدم مادة الحطب في التدفئة، فتلك المادة متوفرةٌ بكثرةٍ بحكم عملنا في أراضينا الزراعية، والاحتطاب على أشجارنا، لكن اليوم لم يبقَ لنا أرضٌ أو شجر”
يحكي أبو أحمد، ومشاعر الحسرة والألم باديةٌ على وجهه المُتعَب ،ويداه المرتجفتان من البرد خير شاهدٍ على ذلك.
” كنا في ديارنا ننعم بالدفء والطمأنينة، لكن اليوم لا دفء مع خيامنا المهترئة،
فالمدفأة باتت حلماً عند معظم الناس، حتى أننا بتنا نشعل كل مايحرق في داخلها، إن كان ثياباً أو بلاستيك، لانهتم لعواقب الروائح المنبعثة من المدفأة، جلّ همنا هو مقاومة البرد.. ”
يختار الأهالي مادة البيرين كنوعٍ من المحروقات المستخدمة في التدفئة، ومادة البيرين هي عبارةٌ عن بقايا بذار الزيتون التي تخرج عند عصير الزيتون، واستخراج الزيت، فبعد تعريض تلك المادة لأشعة الشمس، وتنشيفها جيداً، يتم ضغطها بمكبس خاص على شكل قوالب، وبيعها بأكياس مجهزةً للاستخدام في التدفئة والحرق.
لم يكن الناس سابقاً يستخدمونه بكثرةٍ، لكن اليوم الطلب مضاعفٌ عليه، فجميع الأهالي كانوا يعتمدون على مادة “المازوت” بالتدفئة، لكن تلك المادة اختفت من أغلب المنازل نظراً لارتفاع ثمنها، لتحلّ الأخشاب والبيرين محله في مدافئ الناس.
يصل سعر الطن الواحد من مادة البيرين اليوم، في الشمال السوري، إلى نحو 100$، وسعره في ارتفاعٍ، نظراً لاقتراب موسم البرد وزيادة الطلب عليه.
لم تكن تلك الأسعار موجودة في السابق، حتى أن معظم الناس لم يسمعوا بتلك المادة مسبقاً، لكن الحرب في سوريا علمت الناس الكثيرَ من وسائل العيش، وأرجعتهم إلى استخدام وسائل بدائية أكل الدهر عليها وشرب.
لايعلم أبو أحمد، وأهالي المخيمات كافة، إلى متى سيطول بهم الأمد على هذا الحال، لكنهم يعرفونَ أنهم سيظلون يقاومون ظروف الحياة بكل قساوتها ومرارتها، على أمل العودةِ وإصلاح الحال.
إبراهيم الخطيب