عانينا في السنوات الماضية من ويلات الحرب وغطرسة نظام متوحش لا يعرف الرحمة, فأساليبه القتل والتدمير بالإضافة إلى التجويع والتهجير.
ولم يكتف هذا النظام من كل أنواع التعذيب, فلجأ إلى الاعتقال كسبيلٍ لإخماد ثورةٍ حلمنا بها منذ أعوام, لكننا لم نستطع التعبير عنها يوماً كرغبة بالحرية لما قد زرعه في الأجيال السابقة من خوف وجبن, حتى اشتعل فتيل الثورة في درعا بأيدي أطفال صغار عبّروا عن براءتهم بكلمات صادقة لتنطلق بعدها الثورات في كل البلاد.
لكن في عمق الثورة كان هناك جندي مجهول يتنقل بعدسته الصغيرة, فتراه يركض لاهثاً حاملاً عدسته وربما هاتفه الجوال عند سماع دوي انفجار في منطقة ما, غير آبهٍ بالموت الذي يمكن أن ينال منه في أية لحظة, وبدوره كان يصور الدمار والأشلاء في كل البلاد, لم نرها بعيننا لكن عدسته هي عيوننا على الواقع .
فقد كانت تمثل كاميرته عينه وملامح قلبه لأنه يريد ايصال ما يحدث بكل شفافية ومصداقية, فهو يصوّر هذه الأم الثكلى التي فقدت أطفالها تحت الأنقاض ولا تدري أهمْ مازالوا أحياء أم لا, وينقل لنا حال الملاجئ حيث الأطفال وكبار السن الذين هربوا من ضربات الطيران خوفاً وطمعاً بالأمان, ليصف لنا عمق المأساة فيها, جائعين, يفترسهم البرد أو الحر من كل جانب .
وبرغم التعب الذي يكابده والخوف الذي يتخطّاه حتى يتمّ عملية التصوير في المناطق الساخنة, فهو يذهب إلى بيته ليُرسل المقاطع المصورة عبر شبكات الانترنيت رغم كل البطء الذي يعانيه في خدمة الاتصالات, وهذا يُكلفه من الوقت ساعات وساعات حتى يتم تحميل مقطع صغير فيه جزء من معاناة السوريين .
وفي نفس السياق, كان الاعلاميّ هو ذلك الثائر المقاتل بعدسته, فلولاه لما رأينا حال الثوار على الجبهات, ولا سمعنا أزيز رصاصهم وهدير آلياتهم عندما قاتلوا أشرس آلات الاجرام وميليشياته .
وعن طريقه عرف العالم الخارجي مدى الدمار والارهاب الممنهج الذي مارسه نظام الأسد, مما حمل بعض الدول للوقوف الى جانب الثورة السورية, وهو من أوصل صوت السوريين ومعاناتهم لأصقاع العالم, ليروا أعظم ثورةٍ التفّ حولها الأحرار وخذلها الأشرار .
ومع أنّ المنظمات الحقوقية كالشبكة السورية لحقوق الانسان كانت قد وثّقت مقتل أكثر من 689 إعلامياً, بالإضافة لاعتقال ما يزيد عن 418 إعلامياً, إلا أن أعداد القتلى والمعتقلين أكثر من ذلك بكثير, ولذلك تجد أن الاعلامي مهدد أكثر من غيره بكثير, وهذا عكسَ كلام “بشار الأسد” في خطابه الأول بعد قيام الثورة عندما عتبَ على الاعلاميين الذين يُرسلون صور المظاهرات للقنوات المُغرضة –كما أسماها- ولم يعتب على المتظاهرين, حسب كلامه .
لم يلق هذا الشهيد الحي من يدعم عمله المتفاني, فالهاتف الصغير والسرعة البطيئة في الانترنيت لا تكفي لنقل الواقع رغم كل العناء في ذلك, لذا يجب أن يدعم عمل الاعلاميين في الداخل السوري, وأن يُوضع محض اهتمام من النواحي التدريبية والمهنية, وأن يجمعهم كيان واحد يعمل على تنظيمهم ورعاية شؤونهم, لأن هذا المجال لن يتوقف بتوقف العمليات العسكرية, أو عبر الاتفاقات الدولية وإنما هو مهنة انسانية وسلطة رابعة ستكون لنقل واقع مجتمعاتنا وتثقيف شبابنا, مهما حاول البعض تشويه بطولاتهم والمتاجرة بمعاناتهم لأنهم كانوا مرآة الواقع وبياض الثورة الناصع .
فالإعلامي هو صوت الحق وعين الحقيقة, وهو الوثائقيّ الصادق الذي يُدين النظام وحلفائه الذين تآمروا على ثورة الشعب السوريّ بما جمع وصوّر ونقل وشاهد, لذلك وصفه البعض بالشهيد الحي الذي يمشي على قدميه .
بقلم : فداء معراتي