لم تتغلب إعاقته الجسدية على إرادة الحياة لديه، ككثيرين ممن تزيدهم قسوة الظروف إصراراً على تعويض ما فقدوه بنجاحات تكون نافذة يدخلون منها النور إلى حياتهم متحدين تعقيدات المجتمع التي تصنفهم كأشخاص عاجزين عن فعل ما يفعله الأصحاء.
أحمد طلحة 24 سنة، طالب في كلية المعلوماتية منذ عام2011 م. عند بدء الحراك السلمي وانطلاق الثورة السورية لم يتأخر بالالتحاق بركب الثورة في جامعته، وأمام سطوة الأمن وبطش النظام والخوف من الاعتقال الذي مارسته الأفرع الأمنية لمن خرج منادياً بالحرية اضطر لترك دراسته على أمل العودة يوماً ما.
يقول: “مع انتقال الحراك السلمي إلى العمل المسلح ضد النظام، وجدت نفسي بين كثير من الشباب الذين دفعتهم سطوة الأمن للدفاع عن أنفسهم في إحدى فصائل الثوار من الجيش السوري الحر، وكلي أمل بالنصر والخلاص من الظلم والعودة إلى حلمي الذي كبرت معه، أن أصبح مدرباً في مجال المعلوماتية”.
يتحدث لبوابة سوريا بكل ثقة عن رفضه لكلمة معاق: “ليس هناك معاق، إنما مجتمع يجعلك معاقاً. أُصبتُ في إحدى المعارك عام 2014، بطلق ناري اخترق العين اليمنى ليخرج من جهة العين اليسرى. أصبحت كفيفاً، وبدأ مشوار المعاناة من المجتمع المحيط. ورغم معاناتي في الحركة والتنقل، إلا أن الواقع الاجتماعي المأزوم الذي يقزّم المعاق كان أصعب”.
“كان والدي يرغب في زواجي من ابنة عمي التي لا تجيد القراءة ولا الكتابة، ظناً منه أني سأقبل الزواج منها بحكم أني كفيف، إلا أني رفضت بشدة لأنني كنت متأكداً أن بصري الذي فقدته لا بد أن تعوضه امرأة مبصرة بالعلم، تجيد القراءة والكتابة. وبعد إصراري على الرفض، تزوجت من ابنة عمي الأخرى، الحاصلة على الشهادة الإعدادية (التعليم الأساسي)”.
يضيف: “بعد زواجي اشتريت لزوجتي هاتفاً نقالاً، الأمر الذي أغضب أهلي وأقربائي، فأن تحمل امرأة هاتفاً نقالاً أمر غير مقبول بحكم العادة في مجتمعنا، لكن هدفي يجب أن يتحقق، منذ أن كنت في المرحلة الثانوية، أتابع الإنترنت وبرامج التواصل الاجتماعي بشكل كبير”.
“وبحكم خبرتي في مجال المعلوماتية، كان لا بد أن أطور نفسي، فقمت بالبحث عن التقنيات والبرامج، التي تساعد الكفيف في الحياة، ومنها برنامج الناطق المتوفر باللغة العربية، لكن كانت الصدمة كبيرة عندما أخبرت أهلي بالأمر، ورفضوا مساعدتي مادياً لشراء جهاز هاتف أو حاسوب. بعد شهر تماماً استطعت شراء هاتف، وتثبيت البرنامج الذي أعادني للحياة، يكفي لمس شاشة الموبايل بضغطة واحدة لينطق أسم التطبيق مثل (واتس آب أو غيره)، ضغطتين ليفتح التطبيق، ومن خلال اللمس وسماع الاسم، أصل إلى الشخص المراد للحديث معه، والأمر ذاته ينطبق على الحاسوب من خلال الاختصارات. أغلب الأحيان لا يتوفر لدي ثمن موبايل، بعد أن أبيع موبايلي بسبب الظروف المعيشية، ما يعيدني إلى الكهف المظلم”.
يتحدث بحسرة: “رحلة جديدة في الصدام مع الواقع، رغبتي في العودة إلى الحياة الجامعية كانت هاجسي، لكن القوانين الوضعية في العالم العربي تمنع المكفوفين من دراسة المعلوماتية في الجامعات. لم أستسلم للأمر وقابلت رئيس جامعة حلب الحرة، وحصلت على استثناء لدراسة اختصاص هندسة المعلوماتية. الحقيقة أن أكثر ما يؤلمني هو نظرة المجتمع للمكفوفين، وعتبي على المنظمات التي يتركز نشاطها على تقديم الإغاثة من طعام وشراب، وعدم إقامة مشاريع إنمائية”.
أحمد لم يهدأ طيلة فترة الإصابة، وهو يسعى لمساعدة أمثاله من المكفوفين “تعرفت على الأستاذ عبد المعين، وهو مكفوف منذ 5 سنوات ويحضر دكتوراه في العلاقات الدولية حالياً، ما زاد قناعتي أنه لا وجود للإعاقة. اتفقنا على تأسيس عمل مشترك يخص مساعدة المكفوفين، وتعريفهم ببرنامج الناطق، وفعلاً منذ أيلول/ سبتمبر من العام الماضي أسسنا جمعية تهتم بتدريب المكفوفين أطلقنا عليها اسم (أيادي مبصرة)، تهتم بتدريب المكفوفين، لكن قلة الدعم المالي قوضت قدراتنا على تقديم المساعدة”.
وينهي حديثه لبوابة سوريا: “رزقت بولدي الأول، كانت فرحتي كبيرة، وكل ذلك لم يمنعني من مساعدة زوجتي في إكمال دراستها، هي اليوم طالبة في معهد إدارة الأعمال”.
ليس أحمد الشاب الوحيد الذي دفع ثمن سنوات الحرب أعضاء من جسمه، فحاله حال الآلاف من الشباب السوريين، منهم من تقوقع على إعاقته وقبل بواقعه المرير، ومنهم من رفض الواقع وأثبت قدرته في العمل في كافة ميادين الحياة.
المصدر : بوابة سوريا(وكالات)