شهدت سوريا خلال الفترة الأخيرة تحركات اقتصادية لافتة في مجال الاستثمار بالموانئ والبنية التحتية، ما جعل مرافئها محور اهتمام كبريات الشركات العالمية، في مؤشر على عودة الاهتمام الدولي بموقعها الجيوستراتيجي على خطوط التجارة بين الشرق والغرب
أولى الخطوات جاءت من مجموعة CMA CGM الفرنسية، التي تُعد ثالث أكبر شركة شحن بحري في العالم، إذ وقّعت في أيار الماضي عقدًا جديدًا مع الحكومة السورية لتشغيل ميناء اللاذقية لمدة 30 عامًا، بقيمة استثمارية تبلغ نحو 260 مليون دولار، بعد أن كانت قد بدأت استثماراتها فيه منذ عام 2009، في خطوة تؤكد التزامها طويل الأمد بالسوق السورية
وفي الشهر نفسه، انضمت موانئ دبي العالمية إلى المشهد عبر مذكرة تفاهم لتطوير ميناء طرطوس والمناطق الصناعية والموانئ الجافة، باستثمارات تقارب 800 مليون دولار، ما يعزز مكانتها كأحد أكبر مشغلي الموانئ في العالم
أما التطور الأحدث، فتمثل في إعلان مجموعة موانئ أبو ظبي قبل أيام عن استحواذها على 20% من محطة حاويات ميناء اللاذقية، ضمن اتفاقية شراكة مع CMA CGM تهدف إلى تطوير البنية التحتية ورفع الطاقة التشغيلية للمحطة بنسبة 150% خلال عام واحد، بكلفة تقديرية بلغت 22 مليون دولار
وأُبرمت الاتفاقية في أبو ظبي دون حضور رسمي سوري، وهو ما أثار تساؤلات حول مدى إشراف الحكومة السورية على إدارة أصولها السيادية، خصوصًا في ظل الفارق الكبير بين قيمة هذه الصفقة واستثمارات موانئ دبي في طرطوس
اقتصاديًا، يُعد ميناء اللاذقية شريان النقل البحري الأهم في سوريا، إذ تمر عبره أكثر من 95% من حركة البضائع في البلاد، فيما تسعى الشركات الإماراتية والفرنسية إلى جعله محطة رئيسية على ممرات التجارة بين آسيا وأوروبا، بالتوازي مع مشاريع إقليمية لإحياء الطريق البري بين تركيا والخليج عبر سوريا المتوقع تشغيله بحلول عام 2026
وتأتي هذه التحركات ضمن تنافس إقليمي ودولي متصاعد على الاستثمار في سوريا، حيث تسعى كل من الإمارات وتركيا إلى تعزيز حضورها الاقتصادي والجيوسياسي، في وقت تتراجع فيه حصة روسيا وإيران من المشاريع الاستراتيجية داخل البلاد، ما يعكس بداية مرحلة جديدة من إعادة التموضع في المشهد السوري







