في مخيم “واشو كاني” الواقع أقصى شمال شرق مدينة الحسكة الذي يستضيف أكثر من 9 آلاف نازح يتحدرون من مدينة رأس العين أو سري كانيه، يخشون من سيناريو كارثي مع انتشار فيروس كورونا المستجد والذي بات يعرف باسم (كوفييد 19)، فمعظم نازحيه من مدينة رأس العين وبلدتي تل تمر وأبو راسين وريفهما، فروا من ديارهم جرّاء العملية العسكرية التركية في شرق الفرات في شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019.
سعاد (26 سنة) المتحدرة من رأس العين، أم لطفلة تبلغ من العمر ثمان سنوات من ذوي الاحتياجات الخاصة وطفلة ثانية في الرابعة وأخرى رضيعة، تروي قصتها وكيف تعيش أحوال المخيم ومعاناة النازحين، ونقلت لموقع “بروكار برس” بأن المشكلة الحاصلة في مخيمات النزوح تكمن في انعدام الرعاية الصحية، وقالت: ” لا تتوفر المعقمات والأدوية اللازمة للوقاية من الفيروس، حتى الآن لم يصلنا لكن سوف تتخلق لدينا فيروسات مشابهة في حال بقيت الحالة كما هي عليه”، بحسب وصفها لسوء الأوضاع الصحية في المخيم.
الحفاظ على النظافة الشخصية
وبينما كان جالسا بجانبها وعينه على مساحة الخيمة وتلاصقها مع باقي الخيم المكتظة، قال زوج سعاد : “تقوم منظمة الهلال الأحمر الكردي داخل المخيم بنشر برامج توعية للوقاية من فيروس كورونا، الذي لا نعلم عنه شيئاً بسبب غياب (وسائل الاتصال)، لا يوجد لدينا تلفاز أو الراديو وتغيب خدمة الإنترنت”، ويضيف الزوجان أنهما يحرصان على السلامة والنظافة الشخصية عبر غسل اليدين، وهو السلاح الوحيد للوقاية الذي تتملكه هذه العائلة كحال باقي النازحين.
والمخيم يقع بالقرب من بلدة التوينة وتقع نحو 10 كيلو متر غربي مدينة الحسكة، لكن يعتبر أرضاً خصبة لأي مرض وقد يكون قنبلة موقوتة في ظل تفشي فيروس كورونا، سيما مع تزايد أعداد النازحين وتزايد احتياجاتهم وشح المساعدات المقدمة من قبل المنظمات الإنسانية.
فاطمة ذات الخمسين عاماً وهي إحدى النازحات وتعيش مع أبنائها العشرة في خيمة لا تتجاوز مساحتها 20 متراً وسط المخيم، تشرح خشيتهم من انتشار الفايروس وكيف أنهم: ” قلقون للغاية، إذا انتشر الفيروس داخل المخيم سنموت جميعاً، نسمع أنفاس بعضاً ولا يمكننا تطبيق نظام التباعد الاجتماعي نظراً لتلاصق الخيم”، أما القناع الواقي (الكمامة) والقفازات التي باتت أساسية في كل العالم، فهي نادرة في المخيمات فيما المعقمات اليدوية معدومة وغير معروفة بالأساس ويبقى الاعتماد الأول على مادة الصابون في التنظيف.
أما جارتها وردة والتي كانت تقف أمام الخيمة تقول بدورها بأنها تشتري الصابون على نفقتها الخاصة، رغم قلة الإمكانيات المادية لكنها تبذل قصارى جهدها لحماية أسرتها وحماية الآخرين: “بالحفاظ على أكبر قدر ممكن من النظافة الشخصية، فمنذ أكثر من شهر لم نتسلم أي مواد تنظيف كالصابون ومواد التعقيم الضرورية أكثر من أي وقت مضى”.
“لا حالات مشتبه بها”
في 23 مارس/آذار أبلغت وزارة الصحة التابعة للنظام السوري عن أول حالة إصابة لديها بفيروس كورونا، لكن حتى الآن لم يتم الإبلاغ عن أي حالات في شرقي الفرات بحسب آخر تقرير صدر عن منظمة الصحة العالمية، وتنفي “الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا وجود إصابات في مناطقها.
وبحسب جيهان عامر مديرة قسم الصحة في منظمة “الهلال الأحمر الكردي” وهي منظمة طبية تتبع الإدارة الذاتية، لم تسجل أية حالات إصابة أو حتى اشتباه في مخيم “واشو كاني، وناشدت في حديثها لموقع بروكار برس منظمة الصحة العالمية والجهات الإنسانية التعاون في مواجهة جائحة كورونا، وقالت: لما يشكله من خطر على المستوى المحلي والعالمي بالتزامن من التحذيرات الدولية التي تنبئ بنتائج كارثية في سوريا لفيروس كورونا حيث الإجراءات ليست على قدر المسؤولية”، وأضافت أنهم كثفوا من أنشطة الحماية والوقاية والمشفى الوحيد التابع للمنظمة يعمل على مدار 24 ساعة، “نقوم بالأنشطة المتعلقة بالصحة داخل المخيم من دورات تثقيفية عن وباء كورونا وكيفية الحد من العدوى وتوزيع بروشورات، كما قمنا بتجهيز صندوق السلامة يحوي التدابير الوقائية لمنع انتشار الفيروس من مواد تعقيم وقفازات”.
فأنظمة الصحة العامة في سوريا الضعيفة أو المنهارة لا يعتمد عليها، والحال نفسه في مناطق شرقي الفرات ما يشكل تحدياً آخر للاستجابة الفعالة لفيروس كورونا، الأمر الذي دفع مسؤولي “الإدارة” المطالبة بالتزويد بأجهزة فحص المرض وتجهيز مشافي ونقاط طبية متنقلة وتخصيص مشافي ضمن مناطقها.
وتقول ستيرة رشي مديرة المخيم بأن العدد الإجمالي لقاطني “واشوكاني” بلغ قرابة 10 آلاف نازح تقريباً، “بتعداد 1500 أسرة يقطنون 1700 خيمة”، وحذرت من كارثة إنسانية مع انتشار أمراض وبائية معدية ولفتت قائلة: “تنقصنا المساعدات الطبية لسد الفجوة الصحية التي اتسعت مع زيادة أعداد النازحين”، وذكرت المسؤولة الكردية في حديثها بأن المنظمات الإنسانية الدولية وبتوجيه من النظام “لا تعمل في المخيمات التابعة للإدارة وتغيب عنها المساعدات بحجة أن المساعدات تصل عبر منظمة الهلال الأحمر السوري وغير ذلك لا يصل شيء”.
عنود البالغة من العمر 30 عاماً والتي كانت تنتظر دورها أمام باب نقطة طبية وبيدها طفلتها الرضيعة؛ جاءت للمراجعة وفحص درجة الحرارة والتأكد من خلوها من أي مرض معدٍ، وقالت: “أقوم بمراجعة دورية للكشف صحة ابنتي، كما أهتم بنظافة أطفالي، فعندما يلعبون بالخارج وقبل دخولهم للخيمة أقوم بتعقيم أيديهم وغسلها جيداً”.
يذكر أنّ المنحنى التصاعدي في عدد الإصابات في سوريا بتزايد مع تسجيل وزارة الصحة التابعة للنظام 16 إصابة منها حالتي وفاة، كما قام النظام بعزل بلدتي عين منين والسيدة زينب في ريف دمشق للحد من خطر انتشار الفيروس.
هديل سالم ـ مخيم واشوكاني ـ الحسكة
نقلا عن: بروكار برس