المكان بلدة ثائرة شمالي سوريا، الزمان صباح يوم ملبد بغيوم الشتاء التي لا يعكر طريق سيرها سوى مروحيات و طائرات نظام الأسد التي تشق طريقها عبر السماء محملة ببراميل الحقد و الموت الذي يطارد السوريين في كل مكان.
“سوسن” هي أم لأربعة أولاد من سكان البلدة، تستيقظ كل صباح لتجهز أولادها للذهاب إلى مدرستهم، ثم تنغمس في واجباتها المنزلية، و بينما هي منشغلة في شأن بيتها إذا بصوت أزيز قادم من الجنوب يخاله المرء للوهلة الأولى صوت مولدة تعمل لتوليد الكهرباء التي حرم منها السوريون منذ أكثر من خمس سنوات مضت. توجست الأم خيفة و قالت في نفسها: ” يا إلهي ..إنه صوت مروحية قادمة من مطار حماة و هي بلا شك محملة ببراميل الموت”.
يعتبر مطار حماة العسكري واحداً من أقوى القواعد العسكرية لنظام الأسد في وسط سوريا، حيث تنطلق منه مروحيات النظام المثقلة بالبراميل المتفجرة التي تضرب المناطق المحررة ( الخارجة عن سيطرته)، حيث يعتبر أهالي منطقة ريف إدلب و مناطق ريف حماة الشمالي المطار كابوساً يجثم على صدورهم. ولكن منذ التدخل الروسي إلى جانب نظام الأسد خريف عام 2015 زادت فعالية سلاح الجو السوري وأصبحت مطارات حماة وحمص وسط البلاد إلى جانب مطار حميميم غرباً تلقي بكافة أنواع الأسلحة الحديثة على رؤوس المدنيين لتركعيهم وإخضاعهم لسلطة بوتين والأسد.
و ما إن تكمل حوارها مع نفسها حتى تتيقن أن المروحية فوق بلدتها، و هي تستمع إلى صوتها و تنتظر صوت المراصد (المرصد هو شخص يتكلم عبر قبضة لاسلكية لإنذار المدنيين و إعلامهم بتحركات المروحيات والطائرات الحربية)، و إذا بالمرصد يقول:” المروحي نفذ، تحصن يا بطل”، وهي العبارة الدارجة في تلك المنطقة تصاغ بهذا الشكل لرفع الروح المعنوية لدى السكان الذين يرهبهم صوت الطائرات. الأم لا تدري ما تفعل بنفسها و برضيعتها التي بين يديها، و كيف ستطمئن على حال أولادها في المدرسة، صوت ضجيج ضخم يصعق الآذان يأتي من الأعلى، البرميل ينفجر، الصراخ يملأ المكان ،”سوسن” يصفر وجهها، تسرع مع طفلتها إلى مغارة الجيران، لكن قلبها يخفق من شدة الخوف .
الدخان يتصاعد، تصيح الأم ” يا الله يا الله لطفك يا رب” و هي لا تزال تلهج بهذه الكلمات و تصيح ” هل من أحد يأتيني بخبر عن أولادي ..ماذا حلّ بهم ؟ أين سقط البرميل؟”، انفجر البرميل و دمر منزلاً فوق رؤوس ساكنيه نتج عنه استشهاد رجل و طفلته و نجاة زوجته التي كان خارجاً فاحتمت بمغارة قريبة منها.
ينتهج النظام السوري منذ بداية الثورة ربيع عام 2015 سياسة التدمير الممنهج و استهداف المدنيين باستخدامه للبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية وحتى الأسلحة الكيماوية للانتقام من الحاضنة الشعبية للثورة منتهكاً بذلك كل الأعراف و القوانين الدولية بما في ذلك قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة التي دعت لتحييد المدنيين عن الصراعات داخل هذا البلد.
الأم “سوسن” تخرج من المغارة مسرعة و تبحث عمن يأتيها بخبر عن أولادها، و لكن ما إن تسمع صوت أولادها الذين أتوا من مدرستهم بسبب القصف حتى يسكن قلبها و يتوقف عن الخفقان و تعرف أن أولادها و فلذة أكبادها ما زالوا بخير. قصة الأم “سوسن” التي حالف الحظ أطفالها نسخة عن عشرات الأمهات السوريات اللواتي يعانين من إرهاب طائرات الأسد وبوتين والتي تعتبر مصدر الخطر الرئيسي على المدنيين في سوريا.
” إلى متى…؟!” سؤال تردده الأم سوسن والسوريون كل يوم و يتساءلون : ” متى سيتم إيقاف حمام الدم النازف في سوريا مع اقتراب اكتمال الثورة السورية لعامها السابع”.
عــــاصم الصــــالـــح – المركز الصحفي السوري