كشفت صور أقمار صناعية حديثة عن أعمال بناء واسعة وغامضة تجري داخل مركز شيمون بيريز للأبحاث النووية في صحراء النقب، بالقرب من مفاعل ديمونا الإسرائيلي الشهير، في خطوة أثارت قلق الخبراء والمراقبين الدوليين وتأتي هذه التطورات في وقت تواصل فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الضغط المكثف على إيران بحجة برنامجها النووي السلمي، بينما يلوذ المجتمع الدولي بالصمت المطبق تجاه الأنشطة النووية الإسرائيلية، التي تُدار في إطار من السرية التامة
بحسب تحقيق موسع أجرته وكالة الأسوشيتدبرس (AP)، أظهرت الصور الفضائية وجود جدران خرسانية سميكة وعميقة تحت الأرض، مع حركة بناء نشطة ومتسارعة، إضافة إلى رافعات ومعدات ثقيلة تعمل بشكل مكثف في الموقع
ثلاثة خبراء رجحوا أن الموقع الجديد قد يكون مفاعلًا يعمل بالماء الثقيل، وهو النوع الذي يُستخدم لإنتاج مادة البلوتونيوم، التي تشكل المكوّن الأساسي في صناعة الرؤوس النووية
أربعة خبراء آخرين اعتبروا أن المنشأة ربما تكون مرفقًا لتجميع وصيانة الأسلحة النووية، أو لتخزين وإدارة الترسانة النووية القائمة
ورغم اختلاف التقديرات حول الهدف النهائي للمشروع، اتفق جميع الخبراء على أن البناء الجديد مرتبط ببرنامج عسكري نووي متقدم، وليس له أي صلة بالاستخدامات السلمية للطاقة النووية
يُعد مفاعل ديمونا الذي أنشئ في ستينيات القرن الماضي، القلب النابض لبرنامج إسرائيل النووي السري وقد ظلت تل أبيب تتبع سياسة “الغموض النووي”، فلا تعترف رسميًا بامتلاكها أسلحة نووية، ولا تسمح لفرق التفتيش الدولية التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالدخول إلى منشآتها
وتشير تقديرات بعض مراكز الدراسات إلى أن إسرائيل تمتلك ما بين 80 إلى 90 رأسًا نوويًا، فيما يعتقد آخرون أن العدد قد يتجاوز 200 رأس نووي، ما يجعلها القوة النووية الأكبر في منطقة الشرق الأوسط
يأتي هذا الكشف في وقت تتعرض فيه إيران لعقوبات وضغوط دولية هائلة بسبب برنامجها النووي، الذي تؤكد طهران أنه مخصص للأغراض السلمية فقط، فقد شنت إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة، عدة هجمات على منشآت نووية إيرانية، من بينها مفاعل آراك للماء الثقيل، بذريعة منع إيران من تطوير قدرات عسكرية نووية
ورغم ذلك يلتزم المجتمع الدولي صمتًا مريبًا تجاه برنامج إسرائيل النووي، ما يكشف عن ازدواجية واضحة في المعايير، حيث يُسمح لتل أبيب بتطوير ترسانتها النووية بحرية، بينما تُمنع دول أخرى من تطوير برامج سلمية للطاقة
يؤكد محللون أن إنشاء منشأة جديدة بهذا الحجم يشير إلى عدة احتمالات خطيرة :
توسيع القدرات الإنتاجية : قد تكون إسرائيل بصدد بناء مفاعل حديث لإنتاج كميات أكبر من البلوتونيوم، ما يتيح لها تصنيع المزيد من الرؤوس النووية
صيانة وتطوير الترسانة القائمة : من المرجح أن يستخدم الموقع للحفاظ على الأسلحة النووية الحالية وتطويرها، بما يشمل إنتاج التريتيوم، وهو عنصر أساسي في تصنيع القنابل الهيدروجينية
سباق تسلح إقليمي : هذه الخطوة قد تدفع بعض دول المنطقة، مثل إيران والسعودية، إلى تسريع برامجها النووية، ما يزيد من خطر اندلاع سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط
حتى الآن، لم تصدر إسرائيل أي تعليق رسمي على الصور أو التحقيقات، مواصلة نهجها التقليدي في عدم الاعتراف أو النفي بشأن برنامجها النووي
إلا أن بعض وسائل الإعلام الغربية أشارت إلى أن هذه التحركات تأتي في إطار تعزيز مكانة إسرائيل كقوة عسكرية لا يُستهان بها، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة في المنطقة
في المقابل، أعرب عدد من الخبراء الدوليين عن قلقهم من أن يؤدي هذا المشروع إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي، مطالبين الوكالة الدولية للطاقة الذرية بفتح تحقيق عاجل، رغم إدراكهم أن غياب إسرائيل عن معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT) يجعل من الصعب إجبارها على الخضوع للتفتيش الدولي
تكشف هذه المعلومات عن واقع خطير في ميزان القوى النووية العالمي، حيث يُمارس الضغط والعقوبات على بعض الدول بحجة منع الانتشار النووي، بينما يُسمح لدولة مثل إسرائيل بمواصلة تطوير برنامجها العسكري النووي في الخفاء، بعيدًا عن أي رقابة أو محاسبة
إن استمرار هذا الصمت الدولي قد يؤدي إلى تفاقم التوترات في الشرق الأوسط، ويفتح الباب أمام سباق تسلح نووي يهدد الأمن الإقليمي والعالمي، في وقت يحتاج فيه العالم إلى سياسات أكثر عدلاً وشفافية لمواجهة التحديات النووية