إذا لم يكن أحد على دراية بالمصطلحات الدارجة لدى الشعب الإيراني والمتعارف عليها بين عامة الناس في عموم إيران، فقد يتساءل: ما علاقة الألقاب المذكورة أعلاه ببعضها البعض؟ ولماذا يُطلق على إبراهيم رئيسي لقب “قاضي الموت” وما العلاقة بين “أروقة الموت” و”شارع باستور”؟!
بالنسبة للإيرانيين، هذه الألقاب مؤلمة ومحزنة للغاية. في عهد الدكتاتور الشاه، كان لشارعين في وسط طهران أهمية خاصة باعتبارهما مركز السلطة.
أحدهما هو خيان كاخ (بسبب وجود القصر الرخامي فيه وأحد القصور الرئيسية للعائلة المالكة) والآخر هو شارع باستور بسبب إقامة العديد من الوزراء وأعضاء مجلس الشيوخ والبرلمانيين وكبار المسؤولين الحكوميين فيه ولأن مجلس الشيوخ يقع في نفس المنطقة الجغرافية.
إذا كانت أهمية شارع باستور تأتي من كونه مركزًا للسلطة خلال دكتاتورية الشاه، فهو الآن يحظى بأهمية أكبر بكثير من السابق ، لأن بيت خامنئي، والهيئة الرئاسية ومجلس صيانة الدستور ومجلس الخبراء ومجلس تشخيص مصلحة النظام والأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي، جميعها تقع في هذه المنطقة شديدة الحراسة في طهران. بالإضافة الى المراكز الوطنية والعسكرية الكبرى حيث يتم اتخاذ القرارات في هذا المجال.
لقد وصل إبراهيم رئيسي إلى مناصبه القضائية والحكومية العليا من خلال الصعود على جماجم ضحاياه، و بعد ذلك، منذ منتصف عام 2021، بات يتكئ على السلطة التنفيذية باعتبارها البيدق المنشود لخامنئي. لقد سافر من ممر الموت إلى منطقة باستور منذ 33 عامًا.
وفي عامي 1979 و1980، شغل هذا الوحش المتعطش للدماء منصب المدعي العام في كرج وهمدان دون الحصول على تعليم قانوني.
وفي السنوات نفسها، كانت مهمته قمع مجاهدي خلق والناشطين السياسيين المتشددين في مدينتي إيذه ومسجد سليمان في محافظة خوزستان.
نظرة على سجلات إبراهيم رئيسي
أكمل رئيسي دراسته الابتدائية في مشهد، ثم دخل مدرسة مشهد الدينية (حوزة). في سن الخامسة عشرة، ذهب إلى قم من مدينة مشهد والتحق بمدرسة تسمى حقاني، والتي كان يديرها الملا محمد بهشتي، أول رئيس لمجلس القضاء الأعلى بعد سقوط نظام الشاه.
وكان معظم طلاب مدرسة حقاني يعملون في مناصب استخباراتية وأمنية وقضائية في نظام ولاية الفقيه.
ومن بينهم، يمكننا أن نذكر الملا علي فلاحيان، وزير المخابرات في حكومة هاشمي رفسنجاني، والملا روح الله حسينيان (ممثل البرلمان السابق ورئيس مركز توثيق الثورة الإسلامية)، والملا مصطفى بور محمدي، أحد عناصر قوات النظام الوحشية والأمنية، والذي كان عضوًا في لجنة الإعدام في مجزرة 1988.
وفيما يتعلق بمشاركة إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية، قال الملا روح الله حسينيان، أنه: “خلال الانتخابات، كانت إحدى الشكاوى ضد السيد رئيسي هي أن السيد رئيسي كان جزءً من المجموعة التي أعدمت مجاهدي خلق، يجب أن يحصل السيد رئيسي على جائزة [مقابل عمله]”!
وأضاف: “أعلن أنه إذا كنا بحاجة إلى استخدام نفس التصميم مرة أخرى، أي بالنظر إلى التجربة التي مررنا بها والقضايا التي رأيناها بأعيننا، فسنتصرف بشكل أكثر حسمًا من ذي قبل”.
إن أبواب وجدران سجني إيفين وجوهردشت الرهيبين هي شهود صامتة على عمليات التعذيب والإعدام التي أمر بها إبراهيم رئيسي.
إن ذروة سفك الدماء ووحشية إبراهيم رئيسي كانت عندما عينه الخميني في صيف عام 1988 كأحد الأعضاء الرئيسيين في اللجنة المسؤولة عن الإعدام الجماعي للسجناء السياسيين من أنصار وأعضاء مجاهدي خلق.
بالإضافة إلى ذلك، ووفقًا لمرسوم الخميني، كان لدى إبراهيم رئيسي، إلى جانب الملا حسين علي نيري، مهمة خاصة لإبادة السجناء السياسيين في مدن سمنان، وسيرجان (في محافظة كرمان)، وإسلام آباد (في محافظة كرمانشاه)، ودورود (في محافظة لورستان)..
أيضًا، في عام 1992، أثناء انتفاضة أهالي مشهد، كان إبراهيم رئيسي مسؤولًا عن قمع وإعدام المتظاهرين في هذه المدينة.
لكن على الرغم من كل الجرائم وجميع المناصب الرئيسية التي شغلها هذا الجلاد الغاشم خلال فترة حكمه، فإن أبرزها مازال دوره البارز في الجريمة ضد الإنسانية ومذبحة السجناء السياسيين في صيف عام 1988.
يقول أحد السجناء السياسيين السابقين الذي كان في سجون إيفين وقزلحصار وجوهردشت من عام 1981 إلى عام 1991 وأثناء مجزرة سجن جوهردشت عام 1988 بسبب دعمه لمجاهدي خلق، والذي يعرف إبراهيم رئيسي عن كثب، وعلى اطلاع وثيق على دوره الرئيسي في لجنة الموت يقول: “كان رئيسي أحد الأعضاء الرئيسيين في لجنة الإعدام وكان عليه التوقيع على أحكام جميع المحكوم عليهم بالإعدام …”
ويضيف: “ان أكثر الأشخاص قسوة ووحشية في مكتب المدعي العام في كرج هو إبراهيم رئيسي، وبسبب قسوته وقمعه، كان مسؤولًا أيضًا عن نيابة همدان بالإضافة إلى نيابة كرج، وبعد ذلك تمت ترقيته إلى منصب وكيل نيابة طهران “.
ومنذ عام 1985، تم تعيين رئيسي نائبًا لقسم الجماعات السياسية ونائب المدعي العام في طهران. وكان الدور الرئيسي لإبراهيم رئيسي في عمليات الإعدام والجرائم في الثمانينات واضحًا في هذا الصدد.
وفي السيرة الذاتية التي نشرها رئيسي عن نفسه، تعمد عدم ذكر هذا الجزء من حياته. في حين أن سجل رئيسي كعضو أساسي تابع لولاية الفقيه وعنصر قاسٍ لا يرحم، و هذا هو جزء من حياته.
ومنذ ذلك الحين، لعب هذا الجلاد التابع لخامنئي الدور الرئيسي في القرارات القضائية الكبرى والقمع والإعدام.
خلاصة القول:
بالنظر إلى السجلات التاريخية المذكورة عن إبراهيم رئيسي، والتي هي في الواقع قطرة في محيط من التعذيب والإعدام والقسوة والوحشية، وبصفتي محاميًا إيرانيًّا وناشطًا في مجال حقوق الإنسان، أكتب إلى الضمائر المستيقظة، سواء كان ذلك عارًا على الإنسانية أو إهانة لمُثُل الأمم المتحدة والدماء التي قدّمها ملايين الأشخاص من أجل إبقاء حقوق الإنسان حية وصياغة مشروع قرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هل هناك مكان لمثل هذا الجلاد الحقير والمتعطش للدماء على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة؟ أليس قبول جلاد ملطخة أيديه بالدماء في الأمم المتحدة إهانة لمُثُل السلام والأمن وتوسيع نطاق العدالة والكرامة الإنسانية؟!