تركت الحرب في سوريا أوجاعا وأسقاما في نفوس السوريين، فباتت مشاهد الموت اعتيادية والأشلاء الدامية المتناثرة في كل مكان يطاله قصف النظام الهمجي دون رحمة أو شفقة تنطق بإجرامه وتحكي قصة الوجع الذي اعتلى قلوبهم، لتتوج حلب عاصمة الدمار والدماء بعد أن كانت بحضارتها وتاريخها تحكي أمجاد أجدادها كونها عاصمة الثقافة الإسلامية .
تمسك أم عمر صورة ابنها الكبير عمر وتضمها لصدرها تارة وتقبلها تارة أخرى والشوق لروحه الطاهرة يغمر قلبها المحترق ودموعها غمرت خديها، بعد أن استشهد المنصرم جراء غارة جوية غادرة من الطيران الروسي على قريتهم كفرحمرة في ريف حلب، فتقول بحرقة :” لمين تركتني ياولدي، كنت عم ربيك بدموع عيوني لشوفك شب وأفرح فيك، لسه مانشفت دموعي عأبوك الي سبقك بإذن الله عالجنة، لمين تركتوني” .
لم تخسر أم عمر ولدها الذي لم يكمل العاشرة من عمره وزوجها فقط، بل خسرت بيتها وقريتها، خسرت وطنا بأكمله لم تعد ترى فيه سوى الركام وفقدان الأحبة، فكانت رحلة النزوح من مكان لآخر فرضا عليها وعلى ولديها الصغيرين بحثا عن الأمان لهما.
قصدت أم عمر مدينة ادلب كونها المدينة الأقرب إليها وتشهد نوعا من الأمان والاستقرار أكثر من غيرها من المناطق المحررة، ورغم وجود بعض أصحاب العقارات من ذوي النفوس الضعيفة الذين حاولوا استغلال الأزمة لرفع إيجارات البيوت للنازحين، إلا أن الدنيا لم تخل من أهل الخير.
تروي لنا قصتها وكيف كان الله عونا لها بعد أن فقدت أعوانها :” وصلني السرفيس على مدرسة بتستقبل النازحين بالمدينة، ماقدرت ادخل ودموعي على وجهي، أخدت ولادي وقعدت بحديقة جنب المدرسة، وعم فكر كيف بدي أصرف عولادي، وربي مافي أكرم منو بعتلي وحدة حسيتها ملاك من السما وإجت تساعدني، بعد ماحكيتلها قصتي أخدتني عند جارتها ست ختيارة مقتدرة ماديا ماعندها حدا يعتنى فيها، وطلبت مني أقعد عندها وأهتم فيها وعطتني غرفة وراتب شهري 25 ألف، الحمدلله”.
وكأن الحرب في سوريا سخرت معاناة بعض الأشخاص لتكون بلسما لغيرهم، فالحاجة أم عبد القادر تعيش بمفردها بعد أن تركها أولادها واختاروا اللجوء إلى أوروبا على أن يبقوا لجانبها، تتحدث وهي تنظر لأم عمر بفرح يخالطه الألم :” كتير بشعة الوحدة، الله بعتلي أم عمر لتسليني وتنسيني غربة ولادي، وتساعدني بهالبيت ماعاد الي قدرة أطبخ أو اشتغل أي شي”، تضيف أم عبد القادر ضاحكة :” مافي أخف وأهضم من الدم الحلبي، رغم كل شي مرت فيه بتقضي السهرة عم تمزح وتحكيلي قصص مابتخلي عالقلب هم”.
رغم الآلام والأوجاع إلا أن الأمل لازال يشق طريقه في حياتهم التي لاتعرف الفشل أو الانكسار مهما حاول الطغاة ذلك، لكن الشوق والحنين يأخذ أم عمر كل ليلة إلى قريتها التي تركت فيها ذكرياتها بحلوها ومرها آملة أن تعود إليها في أقرب وقت.
المركز الصحفي السوري_ سماح الخالد