دخل الصف باستغراب، وعيناه تتلفت هنا وهناك، وكأنه يرى شيئا غريبا لم يعتد عليه سابقا، أخذ بعدها “عمر” مكانه في المقعد وبدأ زملاؤه يرحبون به كما طلبت منهم المعلمة.
لم تكن حكاية نزوح عمر كسائر القصص التي رُويت لنا حينها، فقد خرج من مدينة حلب بدون عائلته كسائر الأطفال، بلا أب وبلا أم أو حتى إخوة، فقد اشتد القصف يومها فخرج مع عائلته من حي الشعار لحي آخر أكثر أمنا، ليضيع هناك من كثرة تزاحم الأهالي، بدأ يصرخ لوالده باكيا لكن الأخير ظن أنه يلحق بهم إلى أن أضاعا بعضهما، وهنا بدأت معاناة ذاك الصغير ابن العاشرة.
بكى كثيرا على قارعة الطريق دونما جدوى، فحاله كحال غيره، فالمشهد كان قاسيا الجميع يركضون في سباق للموت علهم ينجون ويسلمون بأنفسهم، فأشفق عليه أحد المدنيين وأخذه وهو يطمئنه قائلا:” لاتبكي ياابني رح نلاقي أهلك”.
اضطر عمر أن يرافق من اصطحبه في مسيره الذي استمر 17 ساعة متواصلة تحت الخطر ليصل إلى مناطق الثوار في ريف حلب، وأثناء المسير كان يبكي بشدة ويقول أريد العودة لحلب، لتخرج عائلته بعدها بالحافلات الخضراء، ويجتمعون في ادلب مع عمر بعد جهود من الشخص الذي رعاه طيلة هذه الفترة للوصول إلى عائلته.
أصيب عمر بعد تلك الحادثة بصدمة نفسية أثرت على سلوكه الاجتماعي بشكل سلبي جدا، فأصبح انطوائيا ويحب أن يجلس وحيدا، فحاولت معلمته أن تتدارك وضعه وتجعله يندمج مع رفاقه لينسى ما مر به من آلام وذكريات عصيبة.
فقامت المعلمة بإجراء نشاط للطلاب علهم يشعرون بأوجاع بعضهم ويحاولون أن يرمموا بعضا منها ويساعدوا أنفسهم لتخطيها، فطلبت من كل طالب أن يكتب مشكلة يمر بها وبقية التلاميذ يقدمون الحلول الممكنة لها.
فكتب أحدهم :” أنا فقدت بابا بغارة من طيران بشار، كنت واقف جنبو، مابنسى كيف نزل دم من صدروا لما دخلت شظية ووقف قلبو ومات، عرفت بعدين من المعلمة أنو القلب بس وقف بموت الانسان، ياريتني قدرت أعمل شي وأقدر شغلو قلبو وماخليه يوقف”.
فرفع عمر يده متحمسا وملامح وجهه تظهر الأسف والحسرة لوجع زميله الذي لايعرفه ولايعرف عنه شيئا سوى أن وجعهم مشترك، وقدم حلا وكله أمل وثقة بأنه الحل الأنسب لمشاكل الجميع:” الحل نقتل الأسد ونعذبو متل ماعم يعذبنا بدون سبب”، ابتسمت المعلمة بسمة حزن، وهي على دراية أن أطفالنا يحملون داخلهم وعيا وإدراكا أكبر من سنهم ويعرفون أنهم وذويهم ضحية إجرام سيخلدها التاريخ مهما طال أمدها.
المركز الصحفي السوري_ سماح الخالد