صرخةٌ أطلقَتْها بحرقةٍ حنجرةُ نازحةٍ أغرقت الأمطار خيمتها، وباتت بلا مأوى. المطر يتساقط فوق رأسها، يبلّل ثيابها، ويتناغم صوته المتواتر مع صوتها المبحوح.
هل يمكن أن تصادر أملاكك دون علمك، كيف يؤثر قانون الإرهاب على المتهمين وعوائلهم؟؟
آمنة “اسم مستعار”، امرأة في العقد الرابع من العمر تقريبا، ترتدي ثوبا مزركشا، وعليه سترة سوداء لها قُبّعة، تضع على رأسها غطاء، وتلفُّه على فمها. قدماها غارقتان في الوحل والماء الذي عمّ المكان بسبب الأمطار.
تمشي بخطوات بطيئة، وتتابع مناشدتها للعالم والمنظّمات، وتبثّ شكواها إلى قاضي السّماء، تمشي، وتمشي النسوة من حولها تضامنا معها، فهنّ مثلها عاجزاتٌ، لاحول لهنَّ ولا قوّة، وربّما كان حال بعضهنّ كحالها، غمرت الأمطار خيامهنّ، وشرّدتهنّ وعائلاتهن.
ما حدث في الشمال السوري بعد تلك العاصفة يندى له الجبين، وليست هذه هي المرة الأولى التي يعاني فيها أصحاب المخيّمات من ويلات السيول والأمطار، وبرد الشتاء وقلّة الإمكانيات، فضلا عن الإهمال لواقعهم المعيشي والمجتمعي.
تُطلق آمنة صرختها بقلب محروق على خيمة كانت هي المأوى الوحيد لها، بعد أنْ هُجّرت قَسرا من بيتها؛ بسبب إجرام نظام الأسد وقصف طائراته.
ترفع يديها إلى السماء وتشكو إلى الله وحدَهُ كلَّ مَنْ غَضَّ الطَّرْفَ عن معاناتها ومعاناة أترابها، بل معاناة النازحين جميعهم، فتقول: “أشكيه إلى الواحد الأحد.. الفرد الصمد”.
تحتسب أمرها لله، ولكنّها في الوقت ذاته تناشد الأمم أنْ ينظروا إلى هذا الواقع المأساوي، وتلقي اللوم على المنظّمات:
“تفرّجوا يا أمم.. يا منظّمات.. ترضون على حالكم هيك شي.. ترضون على ولادكم يقعدون بالمي.. ترضون.. ترضون على حالكم تعيشون هالعيشة هاي؟”.
النّاس خارج المخيّمات ينعمون، على الأقل، ببيت مسقوف يحميهم من تلك الأمطار.. وطرقات معبّدة تُجنِّبَهم وأطفالَهم الغوصَ في الوحل والطّين.
آمنة خرجت من بيتها، وربّما كان أفضل حالا من البيت الذي يسكنه كثير ممن هم خارج المخيّمات الآن، ومع ذلك رضيت بقضاء الله وقدره، ولكنّها تطمح لأن تكون حياتها أكثر أمنا وهناءة.
“رضينا وقعدنا بالخِيَم.. مو هالمطر فوقنا.. حرام عليكم اللي عملتوا فينا.. حراام.. حرام اتقّوا الله بهالعباد”
هذه كانت آخر كلمات آمنة، قالتها بحرقة ثمّ تابعت طريقها تسير بين الخيام، ووسط بحيرة من الماء والطين. تسير إلى مصير عائم مجهول كتلك المياه العائمة من حولها.
ظلال عبود
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع