يتجول في شوارع المدينة ويشاهد الناس منهم ضاحكٌ ومنهم من يشتري حاجياته ومنهم من يجلس على مقعد في حديقة ما، ومنهم من بدا الحزن على وجهه ويتنقل بينهم طالباً بعض المال أو الطعام ويرافق سؤال الناس هذا، إما العنف وعدم التقبل في بعض الأحيان أو الاستعطاف والشفقة.
بدأ شادي ذو التاسعة عشر ربيعاً رحلة التسول منذ السابعة من عمره في مدينة الدانا عام 2015، وسط جوع وألم وإحباط وتشريد، كلها مجتمعة تحاصره في دائرة مغلقة، وهو لا يعرف متى ينتهي هذا الحصار، لطالما مرت ليالي عديدة ولم يذق طعم الأكل ” في كتير أيام بنام بلا أكل” يقول شادي بعينين بنيتين خجولتين، لتضيع منه الكثير من الحقوق بل وأبسطها فهو وحيد لا أحد يسأل عنه.
” أحياناً حدا بيعطيني أكل وأحيانا بدور بالحاوية بلكي بلاقي شي أكلو” فالقمامة ممكن أن تكون مصدر عيشه الوحيد إن لم يجد أحداً يطعمه ، فهو لم يتخيل لوهلة، أنه وقع ضحية التسول.. ولكن هذه هي الحقيقة المرة التي بدأها منذ سنوات عديدة، وربما تنتهي في المستقبل ليسرح في خياله متمنياً واقعاً جميلاً أو حتى أفضل مما هو عليه، وسط آمال تسبح في أعماق روحه وأمنياته.
يشير بيديه النحيلتين إلى المكان، حيث ينام في خيمة صغيرة من قطع القماش والبلاستيك وبعض أعواد الخشب” هون بنام وقت ارجع بالليل” يشرح خوفه أحياناً من برد الشتاء والأمطار التي تتسرب إلى خيمته المتهالكة، ومن تهكم بعض الصبية واستفزازهم له ولحاله، بثيابه الممزقة والرثة ومن مضايقاتهم المستمرة، فحياته أجبرته أسلوب العيش هكذا وهموم الدنيا أرغمته على الطلب من الناس، ليحاول اللجوء إلى مكان آخر حيث لا أحد يضايقه أو يحاسبه، ولكنه يتراجع عن هذه الفكرة فالتغيير لن يحقق ما يهون عليه ولا يريح باله وكيانه.
لتمر الأيام و تنطوي السنين وتختفي ملامح الحزن نوعاً ما من قلب شادي، وتزول مشاعر الخيبة والتشرد وترتسم الأحلام الجميلة أمام ناظريه، رغم متاعب الحياة وآلامها، ليجعل من تلك المرحلة القاسية التي عاشها دافعاً ومحفزاً ليتعلم مهنة نجارة الخشب ويبدع فيها متفائلاً بغد جميل وردي يدفعه للتقدم والنجاح .
خيرية حلاق
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع