الأحداث الدامية في كلّ من النجف وذي قار أوصلت الأوضاع في العراق إلى منعطف اللاّعودة وجعلت المحتجّين الذين سقط منهم المئات بين قتلى وجرحى أكثر إصرارا على إسقاط النظام الذي بدا في أضعف حالاته منذ قيامه قبل نحو ستة عشر عاما، وتسرّب الشقاق والمشاحنات إلى نواته الصلبة ممثلة بالأحزاب الدينية والميليشيات المسلّحة التي بدأ قادتها يتراشقون بالتهم حول المسؤولية عن الأوضاع المهدّدة بضياع الحكم من أيديهم.
الناصرية (العراق) – أذكت الأحداث الدامية التي شهدتها مدينتا النجف، والناصرية مركز محافظة ذي قار بجنوب العراق، الشقاق داخل المعسكر السياسي الشيعي الذي يشكّل النواة الصلبة لتجربة الحكم الحالية في العراق، ويضم كبار رموز الموالاة لإيران من قادة أحزاب وميليشيات مسلّحة.
وقالت مصادر سياسية عراقية إنّ اجتماعات عاصفة ومكالمات هاتفية جرت بين هؤلاء القادة، ليل الأربعاء وطيلة نهار الخميس وتواصلت إلى الجمعة بهدف التشاور حول طريقة وضع حدّ للتدهور السريع للأوضاع الأمنية وهيجان الشارع، لكنّ مختلف تلك الاجتماعات والاتصالات انتهت إلى خلافات حادّة وإلى تلاسن وتبادل للاتهامات بشأن ما آلت إليه الأوضاع.
وتدهورت الأوضاع في العراق بشكل دراماتيكي بعد أن أقدمت القوات الأمنية والميليشيات الشيعية على قمع المحتجّين بعنف في الناصرية، وأيضا في النجف حيث تمّ إحراق مقر القنصلية الإيرانية في هذه المدينة ذات القدسية الاستثنائية لدى الشيعة.
وأسفرت حصيلة يومين كانا الأكثر دموية منذ انطلاق الاحتجاجات في العراق قبل نحو شهرين، عن مقتل أكثر من خمسين متظاهرا إضافة إلى المئات من الجرحى بالمدينتين.
وأوضحت ذات المصادر أنّ صقور الموالاة لإيران وفي مقدّمتهم هادي العامري زعيم ميليشيا بدر وقيس الخزعلي قائد ميليشيا عصائب أهل الحقّ إلى جانب عدد آخر من السياسيين ونواب البرلمان وقادة الميليشيات، اتّهموا تيار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وتيار عمار الحكيم، ورئيس الوزراء السابق حيدر العبادي الذي يقود ائتلاف النصر، بدفع حكومة عادل عبدالمهدي إلى التراخي في قمع الاحتجاجات الشعبية منذ البداية، وعدم الاستماع لنصائح الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس ضمن الحرس الثوري الذي حلّ ببغداد منذ الأيام الأولى للاحتجاجات ونصح بقمعها بأقصى قوة قبل أن تتصاعد وتنتشر في أرجاء البلاد.
وقال أحد الحاضرين لاجتماع دُعي إليه نواب بتحالف الفتح وحضره قادة في الحشد الشعبي في إحدى الفيلات السكنية ببغداد لتدارس الوضع، إنّ ممثّلين عن قيس الخزعلي حمّلوا مباشرة مقتدى الصدر الذي كان ممثّلا في الاجتماع ببعض مستشاريه ونواب كتلته البرلمانية المسؤولية الكاملة في حال أفضت الأحداث الجارية إلى سقوط النظام، وذلك بسبب ما اعتبروه انشغال الصدر بمحاولة ركوب موجة الاحتجاجات لتحقيق مكاسب سياسية، بينما كان الأجدر وفق هؤلاء مساندة تطبيق الطريقة الإيرانية في مواجهة الاحتجاجات بشكل عنيف وحاسم، والتي أثبتت حسب رأيهم جدواها بشكل عملي.
صقور الموالاة إيران يلومون رئيس الحكومة على عدم قمع الاحتجاجات على الطريقة الإيرانية وبشكل أعنف منذ البداية
وأضاف ذات المتحدث أنّ أحد النواب الصدريين ردّ بحدّة على ممثلي الخزعلي بأن الأخير هو من استغلّ الظرف بتقديم نفسه حاميا للمرجعية الشيعية عندما سارع إلى الانتقال إلى النجف بعد حرق قنصلية إيران هناك بدعوى حماية المرجع الأعلى علي السيستاني الذي لم يكن حسب نفس النائب مهدّدا من أحد فضلا عن كونه محاطا بجهاز حماية قادر على إبعاد كل التهديدات عنه.
كذلك نُقل عن مصدر قريب من مكتب رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي قوله إنّ اتصالا هاتفيا عاصفا جرى بين عبدالمهدي قبل أحداث النجف ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي نجح بعد عدّة محاولات في الاتصال برئيس الحكومة الذي ظلّ لعدّة أيام يتفادى الردّ على مكالمته، متذرّعا بانشغاله بمعالجة الأوضاع ومتابعة التطورات.
وقال ذات المصدر إنّ المالكي حاول مناقشة التطوّرات مع عبدالمهدي ولعب دور الناصح له من منطلق تجاربه في قيادة الحكومة، موجّها له اللوم على عدم التصرّف بالحزم الكافي منذ بداية الأحداث، الأمر الذي أثار غضب رئيس الوزراء الذي ردّ بأنّه لا يتحمّل مسؤولية ما آلت إليه أوضاع البلاد، وأنّ المسؤولين هم من سبقوه في إشارة إلى فترتي حكم المالكي ومن بعده حيدر العبادي.
ويعكس التراشق الحادّ داخل معسكر الأحزاب الدينية الحاكمة في العراق حالة الذعر السائدة في صفوف الطبقة السياسية، بعد أن فشلت جميع محاولات إنهاء موجة الاحتجاجات العارمة سواء عبر الوعود السياسية أو عن طريق القمع.
وبعد موجة القمع الدامية للمحتجين في ذي قار، عاد هؤلاء إلى التجمّع والهجوم على مقرات السلطة في الناصرية، وخصوصا مراكز القوات الأمنية التي قتلت وجرحت أعدادا كبيرة منهم. وقال مصدر طبي، الجمعة، إن 15 محتجا قتلوا وأصيب 85 بجروح في مواجهات مع قوات الأمن في المدينة.
المصدر صحيفة العرب