ألقى إقرار رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، بوجود عصابات تقوم بالاستيلاء على الأراضي التابعة للدولة وبيعها إلى المواطنين، الضوء مجدداً على إحدى مؤشرات الانفلات واستشراء الفساد وعصابات الجريمة المنظمة.
وقال خلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي، إن «هناك عصابات تستولي على أراضي الدولة وتبيعها، وهذا أمر غير مقبول ونحذر المواطنين من شراء هذه الأراضي لأن أموالهم ستضيع». وأشار إلى وجود «تجاوزات إجرامية بتقسيم الأراضي وغش المواطنين في أراضي مملوكة للدولة وحتى خاصة، وهؤلاء يستغلون حالة الحرب ومستوى التواجد العسكري في بغداد والمحافظات». وبين أن «بعض هذه التجاوزات لها غطاء سياسي وإجرامي».
وحسب المحامي رافع العزاوي فإن «ظاهرة الاستيلاء على أراضي الدولة التي بدأت منذ عام 2003 أخذت تستفحل في الآونة الأخيرة وتقوم بها عصابات منظمة تتمتع بغطاء قوى سياسية أو ميليشيات مسلحة».
وذكر العزاوي لـ«القدس العربي» أن «بعض حالات بناء دار أو محل صغير على أراضي الدولة بسبب الفقر والحاجة إلى السكن أو للبحث عن مكان لممارسة العمل المؤقت، كانت الحكومة تغض النظر عنه مؤقتا بسبب الظروف الاستثنائية التي يمر بها البلاد».
وتابع إن «الحالة وصلت إلى حدود غير مقبولة في الآونة الأخيرة عندما بدأت العصابات بالاستيلاء على مساحات كبيرة من أراضي الدولة، وتقوم بتقطيعها وبيعها إلى المواطنين بحجة حصولها على موافقات رسمية».
وبين أن «بعض العصابات المنظمة تتمتع بعلاقات مع بعض السياسيين وقادة الميليشيات، مما يمنحها القوة على مواجهة الجهات الرسمية التي تعترض على أعمالها غير القانونية». كما أن بعض هذه العصابات، وفق العزاوي، «يتعاون مع بعض موظفي دوائر التسجيل العقاري من أجل تزويدهم باستمارات تسجيل العقارات لإيهام المواطنين الراغبين بالشراء بأن عملية البيع قانونية».
وفي السياق، قال المواطن عباس السامرائي لـ«القدس العربي»: «سمعت بوجود أراضي للبيع في أطراف بغداد بأسعار مناسبة في أحد مكاتب بيع العقارات، وقد اخترت إحدى قطع الأرض المعروضة وتم الاتفاق على السعر الذي دفعته بعد تزويدي باستمارة التسجيل العقاري الخاصة بقطعة الأرض».
وبعد أن بدأ في بناء دار صغيرة لعائلته ووصل إلى مراحل متقدمة، اكتشف عند مراجعته للحصول على إجازة بناء من الدوائر المعنية، أن الأرض التي اشتراها هي أرض زراعية مملوكة للدولة، وأن استمارة التسجيل العقاري التي أعطاه إياها المكتب العقاري هي مزيفة، وليست صحيحة.
وأضاف السامرائي «عند مراجعتي مكتب بيع العقارات الذي اشتريت منه الأرض، قوبلت بأكاذيب جديدة وادعاءات بقرب صدور قرار تمليك تلك الأراضي للمواطنين، ولجأ أشخاص في المكتب إلى تهديدي كونهم أعضاء في ميليشيات متنفذة، مما اضطرني إلى السكن في داري متوقعاً قيام الحكومة بإزالته مستقبلاً».
وكان محافظ بغداد السابق، علي التميمي، دعا، الحكومة الاتحادية والعشائر إلى منع العصابات من التجاوز على الأراضي الحكومية، مؤكداً اعتقال عدد من المتجاوزين والمتاجرين.
وأضاف عقب اجتماعه بممثلين عن الوزارات والدوائر الخدمية ومديرية العقارات ورؤساء الوحدات الإدارية، ظهور تجاوزات على عقارات الدولة والأراضي العامة في بغداد من قبل زمر من العصابات التي تحتال على القانون والمواطن.
وقال: «تم في الآونة الاخيرة وبالتنسيق مع القوات الأمنية ووزارة الداخلية اعتقال عدد من المتجاوزين والمتاجرين بهذه الأراضي التي يتم تجريفها وتقطيعها، إذ سيتم تطبيق قانون 154 الذي ينص على حكم المتجاوزين بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات».
وحث محافظ بغداد، الحكومة العراقية والعشائر على «منع عصابات الأراضي من التجاوز على الأراضي الحكومية».
وينص قانون العقوبات العراقي في المواد 154 و 4566، على أن الاستيلاء على أراضي الدولة يعتبر من جرائم الاحتيال والنصب التي تفرض فيها عقوبات رادعة منها عقوبة السجن أو الحبس وإلزام الذين يستولون على هذه الإراضي بدفع غرامات مالية.
كذلك قرار مجلس قيادة الثورة المنحل 36 في 1994/4/22 يعاقب بالسجن الذي تصل مدته عشر سنوات أو الحبس الذي يزيد على الثلاث سنوات كل من سكن دارا أو شقة تكون من أملاك الدولة أو من أملاك المواطنين وإلزام من سكن بدفع بدل إيجار مضاعف.
ويعكس تنامي ظاهرة استيلاء العصابات على الأراضي العائدة للدولة وبيعها إلى المواطنين، أحد مظاهر الانفلات وتفشي الفساد المالي، وسط انشغال الحكومة وأجهزتها بالتحديات الأمنية التي تواجه العراق.
المصدر: العرب القطرية