هل ينشغل السوريون بنتائج الانتخابات الأمريكية؟

 
الولايات المتحدة الأمريكية منذ عدة عقود تمثل القطب الأوحد في العالم, هي إمبراطورية المال والاقتصاد والأعمال, هي الدولة الرائدة والمصدرة للنظام العالمي الجديد الذي تغذيه أفكار الطبقات العليا ذات السطوة المالية على دوائر صنع القرار في الدولة العملاقة, هي الدولة التي تسوغ مسودات الخطط الجديدة بما يلبي مصالحها ومصالح حلفائها, ولا تلبث أن تترجم تلك المسودات إلى واقع ملموس على الأرض بإتباع الخطط والألاعيب السياسية المارقة تارة والمتعجرفة تارة أخرى, هي القوة العسكرية الأولى في العالم التي أنشأت أحلافا عسكرية مع دول قوية أخرى تأتمر بأمرها وتنساق وراء مخططاتها, هي الدولة الأولى الحامية لدولة الكيان الصهيوني التي زُرعت في قلب الشرق الأوسط والأمة العربية, وهي الدولة التي يهيمن فيها كبار ملاك الثروة في العالم من اليهود على العديد من المؤسسات الإعلامية ومراكز الدراسات والأبحاث السياسية.

تعيش هذه الدولة الكبرى اليوم صراع الانتخابات الرئاسية والسباق الأشهر في العالم نحو سدة الحكم في البيت الأبيض بين المرشحة عن الحزب الديمقراطي “هيلاري كلينتون” والمرشح عن الحزب الجمهوري “دونالد ترامب”, وسط اهتمام كبير وترقب غير مسبوق لدى جميع وسائل الإعلام في العالم, والجميع يعلم من دون شك أن الانتخابات الأمريكية في كل دورة لها تستحوذ على اهتمام جماهيري كبير وفريد من نوعه.
لكن ما السبب الذي يكمن وراء الزوبعة الإعلامية لنتائج انتخابات هذه الدورة؟

يتسابق المحللون السياسيون عبر وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة في التحليل والتنويه والتخويف أحياناً من نتائج انتخابات البيت الأبيض, وماذا سيحدث إن فاز ترامب أو العكس إن وصلت كلينتون لسدة الحكم؟!
يبدو أن الحالة الأمريكية منذ تولي إدارة الرئيس باراك أوباما مقاليد السلطة في البلاد, هي حالة غير مريحة للعديد من المهتمين بشؤون السياسة الأمريكية, خصوصاً حقيبة إدارة الملفات الخارجية منها, ويتهمون الرئيس أوباما بالوقوع في العديد من الأخطاء التي أدت إلى تراجع كبير لدور الولايات المتحدة الأمريكية في إدارة أزمات العالم, بل يزيد بعضهم بالقول إن سياسة الرئيس “أوباما” كانت سياسة “حمقاء وكارثية” جعلت من الولايات المتحدة الأمريكية, دولة تظهر بمظهر الضعيف أمام تنامي قوى أخرى في العالم ولا سيما روسيا التي تطمح لإعادة أمجاد الهيمنة على الطريقة السوفيتية.

صحيح أن معظم الأمريكيين يهتمون بالوعود ونتائجها فيما يخص الداخل والاقتصاد والتعليم والمعيشة وقوانين الأمن والعمل, إلّا أنهم لا يفصلون بين المسارين السياسيين في الداخل والخارج, وبالنتيجة فإن الشعب الأمريكي وفي كثير من شرائحه هو غير راض عن طريقة أداء الإدارة الحالية التي ستنتهي صلاحيتها, لذلك يترقب جميع الأمريكيين نتائج الانتخابات الحالية على أمل أن تقوم بملء الفجوات على كثرتها وإصلاح الأخطاء التي وقعت بها نظيرتها السابقة.

ولا نبالغ إن قلنا إن الملف السوري كان بمثابة المحك الذي تم على أساسه تقييم أداء إدارة الرئيس أوباما, فالجميع يعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية تراجعت في مرات عديدة عن خطوطها الحمراء التي جاءت على لسان أوباما, وأنها انتهجت سياسية بعيدة عن المصداقية وأتاحت الفرصة لتدخل القوى الإقليمية والدولية في سورية واكتفت بدعم من تراهم حلفاء لها ويراهم السوريون أعداء لثورتهم وينفذون أجندات انفصالية مستقبلية, مستغلين الرغبة الأمريكية بحصر الحرب ضد من تصفهم الولايات المتحدة بالإرهاب فقط.
ولأن الثورة السورية خبرت مداخل ومخارج السياسة الأمريكية في المنطقة وفهمت دائرة الضوء التي تسلطها أمريكا على بعض الجوانب في الثورة وتلغي ما تبقى منها, ولأن السوريين يدركون جيداً ماهية المصالح الأمريكية في المنطقة ويتابعون بدقة تصريحات كلٍ من ترامب وكلينتون التي تبدو في كثير من جزئياتها عقيمة وليست سوى استمرارا لنهج إدارة أوباما, وأن السياسة الأمريكية مبنية على المصالح فقط تلك التي تتمحور بكل تفاصيلها حول مسألة واحدة “حماية أمن إسرائيل”, فضلاً عن الدور الكبير الذي يلعبه “اللوبي الصهيوني” الذي يتمتع بنفوذ كبير داخل مؤسسة البنتاغون والبيت الأبيض, فهم لا يهتمون كثيراً بنتائج تلك الانتخابات, بل يدركون جيداً أن الثورة إما أن تنتصر أو تسحق, وأن الحلول السياسية التي يتحدث عنها الساسة الأمريكيون ما هي إلا مجرد “حقن تخدير” ومساعي لإعادة تسويق النظام السوري أو خلق بنية مختلطة قديمة- جديدة تتسم بعقلية الوكالة فقط على أساس تفاهمات وصفقات تبرمها الولايات المتحدة مع الدول الأخرى الفاعلة في الملف السوري.

فقناعة السوريين تكمن في أن تغير الوجوه لن يغير السياسات لدول عاشت ونمت على حساب استعمار الدول والشعوب, لذلك نقول إن نتائج الانتخابات الأمريكية بعيدة عن حسابات السوريين الذين تشغلهم حسابات ثباتهم وإصرارهم على نيل حريتهم فقط.

المركز الصحفي السوري- فادي أبو الجود.

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

 

المقالات ذات الصلة

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

ابحثهنا



Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist