سلطت صحيفة كريستيان ساينس مونتر الأميركية الضوء على الانتخابات التركية الأخيرة ونقلت عن محللين قولهم: إن النتائج تؤشر على نهاية حقبة من السياسية الخارجية لأنقرة اتسمت بالطموح والأيديولوجية المتزايدة.
وأضافت الصحيفة أن سياسية تركيا الخارجية التي وصفت من قبل «بسياسية صفر المشاكل مع الجيران» أخذت في السنوات الأخيرة منحا جديداً، مشيرة إلى أن تركيا ليس لديها سفراء في خمس دول شرق أوسطية من بينها إسرائيل التي كانت صديقا سابقا، وليبيا ومصر.
وتابعت الصحيفة أن مسؤولي حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا أوضحوا أن عزلة تركيا الجديدة بأنها نتيجة للمواقف الأخلاقية الجريئة التي اتخذتها على بشأن قضايا دولية، ما نجم عنه حالة من الوحدة.
وقال حسين بخشي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة سابانجي التقنية بأنقرة: إنه من المرجح أن ينجم عن نتائج الانتخابات الأخيرة «تغير في محور» السياسية الخارجية التركية لأن حزب العدالة والتنمية توسع أكثر من اللازم في استخدام موارده وقدراته.
وأضاف بخشي «أن ما نوت تركيا عمله في الشرق الأوسط ظهر عكسه، فلم تظهر الديمقراطية في الشرق الأوسط ولا الأمن ولا الاستقرار كما وعد حزب العدالة والتنمية».
وحددت الصحيفة ثلاث مناطق يمكن أن تتغير فيها سياسية تركيا الخارجية إذا ما تم تشكيل حكومة ائتلافية: أولها سوريا التي قد تشهد أكبر تغير، فقد سعى أردوغان وداود أوغلو إلى الإطاحة ببشار الأسد من خلال ربط تعاون تركيا مع التحالف الدولي ضد الدولة الإسلامية بالتزام واشنطن بموقف معادي للأسد.
وأشارت الصحيفة إلى أن البيانات الصادرة عن الأحزاب الثلاث وعدت بإيقاف تسليح المجموعات المسلحة عبر الحدود السورية.
ويرى الدكتور بهلول أزكان من جامعة مرمرة باسطنبول أنه مع تغير الحكومة في أنقرة، فإنَّ تركيا يمكنها أن تعلب دوراً وسيطاً بين المعارضة المعتدلة ونظام الأسد بشكل قد يغير ميزان الأزمة السورية، مشيراً إلى أن تركيا ستواجه مشاكل خطيرة مع الدولة الإسلامية.
ومن بين المناطق التي ستشهد تغير السياسية الخارجية التركية: دول العالم الإسلامي، حيث رسمت تركيا نفسها، في أعقاب الربيع العربي، نموذجا جديدا للدولة الحديثة العلمانية ذات الخلفية الإسلامية، وأخذت تنسج علاقات مع الأحزاب الإسلامية حتى صارت تتماهى مع الإسلاميين بشكل كبير.
ويشير الدكتور أوزكان إلى أن هناك اختلافاً كبيراً بين إسلاميي تركيا وإسلاميي العالم العربي، حيث بدأت الأحزاب الإسلامية التركية تجربتها في السياسة في سبعينيات القرن الماضي وشاركت في الانتخابات وخدم بعض ممثليها كوزراء في الحكومة، لكن إسلاميي العالم العربي حُظر عليهم ممارسة السياسية لعقود ومن ثم فهم عديمو الخبرة في الحكم.
وأضاف أوزكان أن حزب العدالة والتنمية توقع أن يصل إسلاميو مصر وسوريا وتونس وليبيا إلى الحكم على غرار تركيا، مشيرا إلى أن تركيا تختلف كليا عن العالم العربي لأنها «استثناء».
أما المنطقة الأخيرة فهي علاقة تركيا بالولايات المتحدة التي شهدت مشاكسة حول عدد من القضايا بدءاً من رفض تركيا السماح للتحالف الدولي باستعمال قاعدة أنجرليك لشن غارات على سوريا والعراق حتى العلاقة المضطربة مع إسرائيل منذ إغارة الجيش الإسرائيلي على سفن تركية متجه إلى غزة وقتل أتراك على متنها.
وقال فادي حاكورا خبير الشؤون التركية في معهد تشاتام هاوس في لندن «تجنبت الولايات المتحدة إشراك تركيا في أية نقاشات استراتيجية حول برنامج إيران النووي أو التطورات المستقبلية في سوريا أو حتى الوضع الحالي في العراق.
وأشار حاكورا إلى أن أردوغان وحزب العدالة والتنمية ورغم نتائج الانتخابات الأخيرة، لا يزالوا متحكمين بمعظم الأجهزة الأمنية في تركيا، وهو ما لم يتغير في الانتخابات، لافتا أن تركيا لن تظهر أية أجندة إقليمية كبيرة لأن أردوغان سيكون للنظر للداخل. وعلى الرغم من احتمال تغير السياسية الخارجية التركية بعد الانتخابات الأخيرة، فإن العلاقات الجذرية مع الولايات المتحدة ستستمر، وإن كان من غير الواضح إلى أي مدى سيتمكن شركاء الحكومة الجدد من تغيير سياسية العدالة والتنمية التي يتبناها منذ وقت طويل.
العرب