يتواجد مئات الالاف من السوريين النازحين داخل سوريا من قصف النظام وغارات طائراته الحربية واقتحام ميليشيات لبنان وإيران والعراق لمدن وبلدات وقرى المحافظات السورية الثائرة إضافة إلى مهجري درعا وريف دمشق وحلب وحمص وحماة والقنيطرة وفق اتفاقات وتفاهمات دولية كانوا هم الضحية بين مصالح الدول الخارجية وسعي النظام للخلاص منهم بأي طريقة.
يروي أحد قاطني مخيمات أطمة الحدودي مع تركيا أن الفقر تغلغل في شوارع المخيمات وفي زوايا كل خيمة حتى أن رب الأسرة وزوجته ينهضون في الصباح ليجلسوا يفكرون من أين سيأتون بوجبة لأطفالهم الذين سينهضون بعد دقائق.
سكان مخيمات الشمال السوري على الحدود مع تركيا تقسم إلى عدة مخيمات وكل مخيم يقسم إلى عدة قطاعات وفي كل قطاع مندوب عن قطاعه الذي يسكن فيه يتابع ويرقب المنظمات الانسانية ليحصل على دعم من إحداهن وهو يعلم ساكني قطاعه فردا فردا وعائلة عائلة ويعلم ماذا يعمل كل شخص فهو مختار تلك العائلات والمشرف على تسيير أمورها.
يقول أحد النازحين أنه يسكن في مخيم الجزيرة غرب أطمة ويبعد عن الحدود التركية مسافة 100 متر ينظر إلى القرى والبلدات التركية والأراضي الزراعية ويشعر بالتفاؤل وينظر بالعين الأخرى إلى المخيمات ومعاناة الفقراء فبعض العائلات تتكون من الاب والام وعدد من الاطفال الصغار يذهب الاب في الصباح ليبحث في مكبات النفايات ويجمع بعض قطع البلاستيك ليعود ببعض الكيلو غرامات ليبيعها عند خلاط الظلام ويضع ثمنها في جيبه يعود الى خيمته لتتعالى صيحات أطفاله “ماذا جلبت لنا يا أبي” لقد جلبت لكم بندورة وباذنجان وبطاطا فيبتسم الاطفال والزوجة ابتسامة غامضة ويبتسم الزوج ابتسامة على ابتسامة أولاده وزوجه وكل يوم يعود الاب ليكرر العمل ويجلب نفس الخضار وجارهم الذي يروي الحدث يترقب جاره الفقير لكن ذات يوم يبدو أن الله أكرم الفقير ذاك اليوم وعاد الى خيمته ويحمل أكياسا كثيرة ما هذا أبي صاح الاطفال يقول الأب افتحوا الاكياس وارسلوا لجيراننا يقول الراوي لقد أدمعت كلماته عيناي ليبقى الرجل الفقير يعمل وسط معاناة شديدة يصارع الفقر.
يقوم أهالي المخيمات بارسال ابنائهم الذين تركوا مدارسهم ليذهبوا في رحلة الموت عبر الحدود التركية ويستدين الأب من اصدقائه المبلغ اللازم لوصول ولده إلى تركيا والذي يتراوح بين 400 و 1000 دولار أمريكي ليعطيها للمهرب في سبيل ايصال ولده ذو ال 18 عاما إلى أنطاكيا جنوب تركيا ليذهب ويعمل هناك ويعيد له المبلغ الذي استدانه من صاحبه ويرسل لأبيه وأخوته الصغار مصاريفهم اليومية ويسعد أهله بعمله وانتاجه لكن الاب لم يكن يدري أن رصاصة من بندقية حرس الحدود التركي ستقتله ليعود الشاب الى بيته بجنازة وتشييع وبكاء يستمر من الحدود التركية الى زمن بعيد.
إحدى المنظمات الانسانية تعطي لأبا صبحي سلة غذائية في الشهر ولديه 5 أولاد وزوجة يقوم ابو صبحي ببيع السلة مباشرة قبل أن تدخل بيته بمبلغ 7 الاف ليرة سورية أي ما يعادل 15 دولارا امريكيا ولا يملك أي مصدر آخر غير ذلك.
يتكرر المشهد بطابع مؤلم أكثر، مهجرة أرملة من الغوطة الشرقية لديها ولدان طفل وطفلة استشهد زوجها ببرميل متفجر ألقته طائرات النظام المروحية على إحدى مدن الغوطة تقول أم حسن وهي نازحة من حماة أن الأرملة فور وصولها سألت ألا يوجد مشغل للخياطة في هذا المخيم قالوا لها لماذا هل انتي خياطة ولماذا انتي مستعجلة تقول لأريد أن أطلب شيئا من أحد فغدا أولادي يطلبون مني ويجب أن اعطيهم …..هذه خصلة من الكرامة التي يأبى المهجرون زهقها أمام الصراع مع العوز والفقر.
عدنان خريج تاريخ من إحدى الجامعات في سوريا موظف في منظمة بمخيم أطمة الحدودي يعمل براتب 200 دولار شهريا يبعث نصف راتبه لأهله واخوته الصغار ونصف يصرفه على زوجته واولاده يقول أن حاله مستور لكنه مقهور على جيرانه الذين لا يملكون مصدر معيشة ابدا وهو يخجل مخافة من الله أن يسألهم من أين تأكلون.
ليس الفقر وحده من يعصف بأجساد السوريين بل تشاركه الحسرة والحنين للمنزل الذي تربوا وكبروا فيه ويشتاقون إلى أرضهم التي كانوا يزرعونها بمختلف الأنواع وإلى صوت مولدة البيتر التي عفشها شبيحة النظام وإلى صوت مكبرات وأذان المؤذن في الحي وإلى منظر غروب الشمس فوق الأساطيح.
المركز الصحفي السوري ــ خاطر محمود