نتحدث في كل حديث عن “مشروع مارشال” عربي، كحل، ووصفة طبية جامعة مانعة للبلدان العربية التي تعاني من تفسّخ الدولة، والحرب الداخلية، وتدخل القوى الإقليمية والدولية.. مشروع مارشال لليمن، ومشروع مارشال لسوريا، وآخر لليبيا.. وقد حدث ان صبّت دول الخليج عشرات المليارات في مصر.والحقيقة أن مشروع مارشال ليس وصفة طبية للعرب المرضى. فهو مشروع أعطى لوزير خارجية الولايات المتحدة جورج مارشال، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ووصول الجيش الأحمر إلى وسط أوروبا. ونجاحات الأحزاب الشيوعية في إيطاليا وفرنسا. وقتها كان موغنتاو الصهيوني الأميركي يطالب الإدارة، والدول “المنتصرة” في الحرب بايقاع عقوبات على “دول المحور” المهزومة.. حتى بعد دماره. وقتها قال تشرشل: ما سنفعل لألمانيا جائعة بعد احتلالها وقتل ثمانية ملايين من ابنائها، ووضعها إلى جانب الجيش الأحمر؟؟.لقد ثبت بعد الحرب، ان بريطانيا “المنتصرة” لم تكن احسن حالا من المانيا المنهزمة وان فرنسا شريك “الانتصار” ليست احسن حالا من ايطاليا وحين حاول الجنرال ديغول انعاش الروح القومية الفرنسية بتشكيل حكومة ائتلافية خرج الشارع للتنديد بنسخة هتلر الفرنسي فاستقال وذهب الى بيته.مشروع مارشال ليس مشروعا ماليا صبّته واشنطن في خزائن اوروبا الفارغة، وانما قام اولا برعاية حكومات الدول المهزومة الجديدة، وكانت الانتخابات بعد الحرب قد افرزت قوى حقيقية في اوروبا.اولا الدولة المستقرة، والحكومة الممثلة للشعب ثم جاء المشروع الذي ينصّ على ان تقوم كل دولة بتوفير موازنة اعمار تتناول الصناعات باعتبارها موئل العمالة الكثيفة، ثم تقوم الولايات المتحدة بدعم هذه الموازنة بمعونات مساوية.وبمعنى اخر: توفر حكومة المانيا المؤلفة من الاجزاء الثلاثة المحتلة: الاميركي والبريطاني والفرنسي مخصصات لمصانع ومناجم الرور, فتضع الولايات المتحدة مخصصات مساوية لها. وقد رفض الاتحاد السوفياتي فكرة مشروع مارشال على انه مشروع امبريالي. فبقي شرق اوروبا فقيراً متخلفاً!لا يمكن ان يقوم مشروع مارشال عربي تموله الدول العربية الغنية, والدول العربية هذا شأنها. فلا بد من قيام حكومات قوية تعرف اهدافها وتحددها وتجدولها. ولا بد أن تكون هذه الحكومات رشيدة منتخبة, توصي بالثقة. وحين نعرف أن رئيس اليمن السابق نهب-حسب الامم المتحدة-اكثر من ثلاثين مليار دولار من افقر بلد, ومن اتعس شعب.. فإن الكلام عن مشروع مارشال عربي هو.. اكذوبة كبرى. فالمليارات تموّل الان التخريب والقتل والدمار في حين ان الشعوب صاحبة المصلحة في التنمية والبناء, تحولت الى ملايين هاربة من وطنها!من المؤسف ان يتحدث المتحدثون عن مشروع مارشال لليمن. من سيقيم الدولة الحديثة: صالح وجيشه ام الحوثي الذي يريد إعادة الإمامة، باستيراد الولي الفقيه الإيراني؟ وبعد خراب اليمن من أين ستبدأ الحكومة المُنتخبة؟ وما هي قدرتها على وضع خطط البناء وتمويل نصفها؟!
طارق مصاروة – الرأي الاردنية