أثار اعتقال السلطات التركية للصحفي السوري المعارض ماجد شمعة وتوقع ترحيله لمناطق شمال سوريا مسألة خطورة العيش فيها وأخذت مساحات واسعة من النقاش والرد. سارعت الفصائل في الشمال لإصدار بيانات ترحب بماجد وتزعم احترام حرية الرأي بعد التخوف من ترحيله.
كما أظهر سعي “الذباب الإلكتروني” التابع للنظام لترحيل ماجد بالتعاون مع شخصيات معارضة للحكومة التركية الدور الذي يمارسونه، مظهرا هشاشة الحماية الؤقتة، والتي سارعت لنفي ما نشرته “أورينت” حول تلقيها المعلومات حول ماجد من داخل سوريا.
خشية النشطاء وخاصة من داخل سوريا ومحبي ماجد من صحفيين وحقوقيين ومتابعين له، دفعهم القرار للتفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي ودفع منظمات أوربية وحقوقية محلية ودولية وإطلاق حملة “لا لترحيل ماجد شمعة”، دافعهم القلق على حياته التي تهددها أطراف عدة، أثار هذا الخوف والقلق استهجان البعض حيث وجدت نفسها في دائرة الاتهام بالقتل والتصفية وقمع حرية الرأي والتعبير التي دفعت السوريين للثورة السورية، خاصة أن القناة التي يعمل فيها ماجد “أورينت” صدر بحقها قرار إغلاق مكاتبها وإيقاف مراسليها في إدلب عن العمل بسببها وصفها الفصائل في إدلب وأرياف حلب بالميليشيات، نظرا لقمعها للحريات وممارستها الاستبدادية ضد الصحفيين والحقوقيين والمدنيين بحسب رأي إدارة القناة.
لتصدر ” إدارة التوجيه المعنوي” في “الجيش الوطني” بيانا يظهر فيه امتعاضها من الصورة التي رسمت وتم تناقلها على الإعلام بسبب الخوف على حياة الشمعة من السلطات في الشمال، وأكد البيان على احترام حرية الرأي والتعبير الغائبة والتي يدلل على غيابها خوف نشطاء الداخل على ماجد ومساندتهم له للبقاء بتركيا، فاغتيال الإعلامي حسين خطاب “كارة” في الباب من قبل مجهولين دون الكشف عن الفاعل من قبل الجيش الوطني، وتعرض الإعلامي خالد الحمصي لمحاولة اغتيال بإطلاق الرصاص عليه من قبل مجهولين يستقلون دراجة وسط مدينة الباب، بالإضافة لملاحقة النشطاء والصحفيين وفرض عليهم الموافقات وطلب التصاريح لأي نشاط يرغبون بتغطيته إضافة لاعتقال وتصفية النشطاء في إدلب وريفها، فقتل المصور خالد العيسى ورائد الفارس وحمود جنيد وغيرهم المئات من الصحفيين الذين لقوا حتفهم في مناطق الشمال السوري لأنه لا فصيل أو قوة تتبنى حمايتهم والدفاع عن الصحافة. فلا تزال عقلية الفرد المسيطر والمهيمن على القرارات متأصلة ومتشعبة، والدفاع عنها بقوة السلاح والاعتقال.
وفي إدلب أصدر جهاز ” الأمن العام” التابع بشكل غير مباشر لهيئة تحرير الشام منشورا يرحب فيه بالصحفي ماجد شمعة في محاولة شبيهة ببيان إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الوطني، رغم إن حكومة الإنقاذ تجبر الإعلاميين على استصدار بطاقات صحفية وربط الصحفيين وعملهم بهذه البطاقة للسيطرة على قطاع الإعلام وتصدير نفسها بأنها المسؤول الوحيد عن قطاع الإعلام في إدلب، وتستخدم سلاح سحب البطاقة أو ثقبها لإيقاف أي ناشط عن العمل، بالإضافة سعيها الدائم لإجبار النشطاء للتنسيق مع حكومة الإنقاذ ومكتب العلاقات في هيئة تحرير الشام الأمر الذي ينافي كل معايير البيئة الأمنة للعمل الصحفي وحرية التعبير التي حذر منها النشطاء والحقوقيون في الشمال وخطورتها على حياة الصحفي ماجد.
خلال العشر سنوات لم يحقق الشعب السوري الثائر الحرية التي نادى بها، لم يكن هدف الناس فقط الحرية من النظام السوري، كان من هدف الثورة حرية التعبير ضد الفساد والظلم أين ما وجد.
كشف القتلة ومحاسبتهم، ومحاربة السارقين واللصوص والقضاء على الفقر، للأسف يمارس على المدنيين في شمال سوريا قمع وإكراه على كل المستويات، فالفيديوهات الثلاث التي انتشرت مؤخرا لثلاث مدنيين أحدهم انتقد شركة وتد واثنان تحدثوا عن الظلم الذي يتعرضون له في مناطق منفصلة، ليتفاجأ الجميع بفيديوهات الاعتذار للهيئة والشركة لنفس الأشخاص الأمر الذي يدلل على مدى خطورة الوضع ومستوى حرية التعبير في الشمال.
سلط اعتقال الشمعة الضوء على تغريدات تحريض الشبيحة لإيلاي على ترحيل الشمعة رغم تبرئته من قبل القاضي التركي في إستنبول من التهم الموجة إليه الأمر الذي نفته إيلاي على حسابها في تويتر ولا نستطيع هنا أن نحكم على مدى صدق أو كذب ما نشر عن تواصل معارضين للحكومة التركية مع شخصيات تتبع للنظام السوري، فأيدي الشبيحة الممتدة للداخل التركي ضد اللاجئين السوريين تعمل بالخفاء على إيقاع الأذى بالمعارضين للنظام ونشر الخلاف والعنصرية بين اللاجئين والأتراك، وهذا يتطلب وعيا كاملا وتشكيل مكنونات سياسية تعمل على ترميم الصدع ما أمكن ومحاولة إيجاد نقاط ود وتعايش مشتركة بين الشعبين. وإذا استمر الوضع على هذه الحال فالبركان الشعبي سينفجر لا محالة خصوصا مع قرب الانتخابات التركية التي يستثمر المرشحون فيها اللاجئين كورقة للفوز.
وجد اللاجئون السوريون تحولا واضحا في تعامل السلطات التركية تجاههم، فالحماية المؤقتة التي تمنحهم حق اللجوء وحرية التعبير أصبحت هشة قد تودي بهم للترحيل عند أي خطر صغير كان أم كبير. فالحماية المؤقتة بدت مؤقتة جدا عند ترند الموز الذي جاء ردا على اعتراض امرأة تركية ورجل تركي على أكل اللاجئين للموز ومعاملتهم شابة سورية ظهرت في التسجيل بعنصرية وإهانة. بالغ بعض النشطاء بتداول الفيديو والتعليق عليه وبالغوا بالتنميط الأمر الذي ترفضه كل القواعد الأخلاقية للعمل الإعلامي، فالمبالغة بتناول رأي سيدة في مقابلة لم يكن مقبول !
لعل نجاح النشطاء والحقوقيين في منع ترحيل ماجد شمعة سيكون خطوة جديدة لأهمية التفاعل مع القضايا الشعبية السورية عبر إثارتها والتفاعل معها من قبل النشطاء والمنظمات الحقوقية والدولية تجاه ممارسات خاطئة تتبعها السلطات في تركيا، بحق اللاجئين. وضربة إعلامية لسلطات الأمر لواقع لتحسين حرية الرأي والتعبير وهزة داخلية لما ينظر إليه السوريون في سياستهم بالمحرر.
مقال تحليلي/ محمد إسماعيل
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع