قبل ما يقرب من عام، قال باراك أوباما “إن المجموعات المتقاتلة في سورية يجب أن تجد لنفسها طريقة للتعايش السلمي، وإلا لن نجد مناصاً من التدخل العسكري”. ربما كان يشير إلى أن الخيار العسكري هو آخر أساليب العلاج، ولم يخفِ ألمه من تدخلٍ من هذا النوع، فتابع “وتدخلنا حالياً لن يفيد إلا قليلاً، فسندخل في صدامٍ محليٍّ قد يصعب الخروج منه. بدلاً من ذلك، سيدخل الروس والإيرانيون، ولن ينجح تدخلهم، وسرعان ما سيجدون أنفسهم عالقين في مستنقع”. تنبأ أوباما بذلك، وهو يستعيد الدروس الأميركية السابقة في فيتنام والعراق، وعوّل عليه رداً نهائياً واستراتيجياً لمواجهة الروس، وليس لإنهاء الكارثة السورية، فقد كانت الحسابات الأميركية مع روسيا تتعدّى سورية، وصولاً إلى أوكرانيا، وتهديدات تعاظم القوة الروسية وطموحات فلاديمير بوتين الكبيرة.
تعلم بوتين دروساً من التدخل السابق في أفغانستان، فجعل قوته الضاربة في سورية، بحشد أسطول من الطائرات الحديثة. وكانت الطائرات ذات الذراع البعيدة طريقة أوباما في مواجهة التنظيمات الإرهابية. وحالياً، حقّق سلاح الجو الروسي لجيش الأسد تقدّماً مهماً، وقدّم له دعاية عالمية، حين سانده في استرجاع تدمر من يد تنظيم الدولة الإسلامية، وترك مهمة الإمساك بالأرض لجيش النظام، مدعوماً بحزب الله، مع مليشياتٍ ذات طبيعة مذهبية. وأتقن بوتين اللعبة بإعلانه، في وقت سابق، عن سحب جزء كبير من سلاحه الاستراتيجي، حين قال إن العملية قد حققت أهدافها، ولم يعد من داعٍ لوجود هذا العدد من الطائرات. وقد تلقت تلك الشائعة تصديقاً فعلياً من جهات مختلفة في العالم، قبل أن يُكتشف أن روسيا تستخدم مطاراتٍ إيرانيةً لانطلاق طائراتها نحو سورية. والآن، بعد عام على التدخل الروسي، ما زال بوتين يحافظ على السياسة العسكرية نفسها، وهي استخدام جوي مكثف، مع دعم سياسي غير محدود.
حققت روسيا هدفاً بمنع سقوط الأسد، ومنحته تفوقاً عسكرياً في مناطق كثيرة، وأصبح مصير الأسد رهن إشارة بوتين، وليس النظام القائم هو خيار الشعب السوري، كما يدّعي الروس.
وكسرت روسيا، بتدخلها في سورية، عزلةً كانت مفروضة عليها، بعد أحداث أوكرانيا، فقد صار الغرب مجبراً على التفاوض معها، بشأن دخول المساعدات إلى المناطق المنكوبة في سورية، والضغط على الأسد، كما زاد بوتين من حجم وجوده الدولي بتسيير أساطيله نحو المتوسط، ونصب صواريخه الاستراتيجية على حدود منطقة الأطلسي، وذلك بعد أن وطّد علاقاته مع إسرائيل وتركيا، كما حقق هدفاً تجارياً بتسويق أسلحته إلى دول عديدة. وأصبحت الهند والصين على قائمة الزبائن التي تطلب صواريخ “إس 400″، ومجموعة من الدول الأخرى مرشحة لدخول القائمة. تحقق لبوتين ذلك كله على حساب المناطق التي تحوّلت إلى عصفٍ مأكول في إدلب وحلب، وقد أعطب، أخيراً، قراراً دولياً بشأن وقف القصف على حلب والشروع في إدخال المساعدات.
كان جنون موسكو في حلب أكثر وضوحاً من تمسّكها باتفاقيةٍ ولدت ميتةً مع الولايات المتحدة، ولم تثمر المحاولات الدبلوماسية في لوزان، أخيراً، عن أكثر من اتفاق لمواصلة الجهود. أما أوباما فغارق في تقليب خططه البديلة، ويبدو الروس في منأى عن المستنقع الذي تنبأ به، فتكلفة الهجمات بالطائرات ما زالت مقبولة، وما زال النظام في إيران قادراً على دفع فواتيرها، والخسائر البشرية الروسية أيضاً ما زالت بحدود المقبول لدى الشعب الروسي. ومن المفروض حالياً جر الروس إلى المستنقع الذي لم يعثروا عليه بعد، فقد يصدر أوباما أوامره للتوماهوك بالتحرّك، وهو غاية ما يستطيع أن يفعله الآن. وعندها قد يسدّ الروس طرق المساعدات الإنسانية بشكل كامل، وكانوا قد وجّهوا رسالة بهذا الخصوص، عندما قصفوا قافلة المساعدات الحلبية، وفي وضعٍ مثل هذا، سيكبر مستنقع أوباما ليشمل كامل الأراضي السورية، ويصبح قادراً على ابتلاع الجميع.
العربي الجديد