تساهم العولمة والثورة التكنولوجية في تنامي استخدام الروبوتات في المصانع والشركات بمختلف أنواعها، وهو ما أدى إلى تردي ظروف العمال في ظل تضاؤل الوظائف المتاحة بسبب سيطرة الروبوتات على العديد من القطاعات.
وفي مقاله الذي نشرته صحيفة غارديان البريطانية تطرق الكاتب البريطاني جون هاريس إلى ظاهرة تهميش العمال والتغاضي عن منحهم حقوقهم.
وأشار هاريس إلى الممارسات التي دأبت شركة أمازون العملاقة على اتباعها في السنوات الأخيرة، وظروف عمل موظفيها التي تطرح الكثير من المعضلات الأخلاقية.
وقد شهدت فروع أمازون في كل من إسبانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة اضطرابات واحتجاجات نفذها العمال تنديدا بتدني أجورهم وما سموها “ظروف العمل غير الإنسانية”.
كما ضغطت مجموعة من العمال من ذوي الأصول الصومالية على شركة أمازون لقبول عريضة احتجاج جماعي.
وتتمحور هذه القصة حول قرار الشركة زيادة الحد الأدنى للإنتاج والطلب من العامل الواحد تغليف 230 منتوجا في الساعة عوضا عن 160، وهو ما يجده هؤلاء العمال صعبا عليهم نظرا لالتزامهم بصيام شهر رمضان.
وعلى الرغم من أن الحد الأدنى للأجور في الولايات المتحدة ارتفع من 11 إلى 15 دولارا فإن أمازون تذرعت بالتزامها بالحد الأدنى الجديد للأجور في بريطانيا فقط الذي ارتفع من 8 إلى 9.5 جنيهات إسترلينية (نحو 10 إلى 12 دولارا).
كما عملت أمازون على إزالة نظام تشارك الأرباح وتقديم الحوافز، وهو ما أدى إلى خسارة العمال البريطانيين ما يعادل 1500 جنيه إسترليني سنويا (1890 دولارا).
ويمكن لأي شخص حتى إن كان قد عمل لفترة محدودة في أمازون أن يعرف عن ظروف العمل المضنية في الشركة الأميركية.
وبغض النظر عن الإنتاج المرتفع فإن العمل الشاق في ظل التدقيق المتواصل، مع ثقافة تضع المطالب الإنسانية في المرتبة الثانية لصالح زيادة الكفاءة، بالإضافة إلى التساؤلات المستمرة بشأن الرفاه والسلامة من العوامل التي تجعل الشركة في مراكز متدينة بمجال حقوق العمال.
وطلبت نقابة العمال البريطانية الحصول على المعلومات المتعلقة بمستودع أمازون في مدينة روجلي بمقاطعة ستافوردشاير، حيث ترددت سيارة الإسعاف على مقر الشركة 115 مرة خلال ثلاث سنوات فقط، مع وقوع ثلاثة حوادث تتعلق بالحمل ومشاكل الأمومة والتعرض للصدمات النفسية المؤثرة.
ويقول الكاتب إنه اطلع على العديد من المشاكل الأخرى التي يواجهها العمال، مثل معدلات الإنتاج الإلزامية، فضلا عن مشاكل التنفس الناجمة عن استنشاق الغبار المتراكم فوق الصناديق الكرتونية المعتمدة للتخزين واضطرارهم إلى التبول في عبوات بلاستيكية تجنبا للذهاب إلى الحمام وانخفاض إنتاجيتهم.
ويحمل العديد من عمال مستودع شركة أمازون أجهزة محمولة ترصد حركتهم وتتحكم في نسق تأديتهم مهامهم، ولكن سرعان ما سيستعاض عن هذا النوع من التكنولوجيا بتقنية “الواقع المعزز”، حيث سيرتدي العمال سماعات رأس ونظارات واقية تجمع بين رؤيتهم المحيط المباشر وبين التعليمات التي قد تظهر بشكل متكرر أمام عيونهم.
وسجلت شركة أمازون براءة اختراع من إصدارها لهذه التقنية سنة 2017 التي تسميها “واجهة مستخدم الواقع المعزز لتسهيل العمل في المستودعات”.
ويمكن لهذا الجهاز تحديد مكان الشخص في جميع الأوقات ومتى توقف عن الحركة، كما يمكن له بث متطلبات الكفاءة مباشرة إلى العمال، ولكن من يرغب في العمل بهذه الطريقة؟
تؤكد التكنولوجيا المتطورة داخل شركة أمازون -التي تم استخدامها على مدى العقدين الماضيين- شيئا واحدا هو حرصها على الاستغناء عن العامل البشري.
ففي أحد المستودعات التابعة للشركة بالقرب من مطار مانشستر تتحرك الروبوتات الآلية في الأرجاء جالبة الصناديق إلى عمال التجميع، كما أن السرعة التي يتم بها تجهيز الطلبات خيالية، في حين معظم العمال البشريين هم مجرد مساعدين.
أما فيما يتعلق بالخدمات اللوجستية فإن الأبحاث وأعمال التطوير التي تركز على الآلات والتي تهدف إلى استبدال العمال البشر ما زالت متواصلة.
وسيتوصل رؤساء الشركات الصارمون والقساة إلى استنتاج بسيط مفاده لماذا القلق بشأن مشكلة اليد العاملة، في حين أننا لن نكون بحاجة إليها في القريب العاجل؟
خلافا للأمور الجيدة الذي نسمعها عن الأتمتة يبدو الأمر وكأننا نتجه نحو نوع من الاقتصاد الخيالي الخالي من مساهمة العامل البشري، وهو ما يعكس واقع ظروف العمل التي تزداد سوءا بشكل تدريجي.
إن الناشطين في مجال العمل النقابي الذين بدؤوا في تحدي كل ما يعنيه هذا يستحقون الثناء، فقريبا جدا سيتبع الناس خطواتهم في العديد من الأماكن الأخرى، أما الباقون فسيدركون أن وراء توصيل طلبات عيد الميلاد واقعا مريرا للعمال.
المصدر : مواقع إلكترونية