“بعد صلاة الفجر في يوم العيد نخرج باكراً رجالاً ونساءً إلى المقبرة، نأخذ معنا الريحان والزهور ونضعه على قبور من رحلوا عنا، وتلك الزيارة من أهم طقوس العيد في المنطقة، وفي بلدة “كفرسجنة” تحديداً، حيث تعج المقبرة بالزوار وتغص بالناس حتى قبيل صلاة العيد فترجع النساء إلى منازلها ويأتي دور الرجال”
يستذكر أبو عبدالرزاق أحداث يوم العيد بدقة وتفصيل، ويرويها لجيران خيمة نزوحه في كفرلوسين شمال إدلب وعيناه تفيضان شوقاً وحنيناً ويقول “كلما أسمع صوت التكبير وأنا في المخيم أجهش بالبكاء، يأخذني الحنين بعيداً إلى بلدتي، وأصوات التكبير المعتادة ولمة الناس في العيد”
“من عوائدنا أن تهنئ كل أهالي القرية بعضها البعض في العيد، فبعد صلاة العيد وخطبتها يخرج المصلون من المساجد الأربعة ويمشون باتجاه المقبرة، هناك يصطف الناس بنسق واحد ويسلمون على بعض ويعايدون بعضهم بكلمة كل عام وأنتم بخير”
بعد ذلك يدور الناس حول المقبرة ويقرأون الفاتحة لقبور أمواتهم، وفي كل موقف يقرأ أحد مشايخ القرية الفاتحة من ثم الدعاء للأموات بالرحمة وللبلدة والناس بالفرج، وبعد الانتهاء يرحل الناس أفواجاً وجماعات ليزوروا منازل الأقرباء على هيئة وفد يضم معظم شبان ورجال الطائفة، ويظلون على هذه الحال حتى آخر منزل من منازل الأقرباء.
“كنا نجتمع عند المقبرة، من ثم نخرج باتجاه أقرب منزل من منازل أقربائنا لنهنئهم بالعيد، ونستمر حتى أبعد منزل، وفي كل بيت نجلس قليلاً ونتبادل أطراف الحديث وسط طقوس خاصة منها إعطاء الأولاد عيديات العيد، وضيافات العيد الخاصة والمأكولات الشهيرة مثل الكبة المقلية والرز بحليب والقهوة المرة وغيرها”
تلك الطقوس تتشابه بها معظم المناطق السورية، لكن النازحين إلى مخيمات الشمال السوري ودول الخارج حرموا منها بعدما افترقوا عن أقربائهم وذويهم، واليوم بعد نزوح عشرات الآلاف يحاول النازحين إحياء تلك الطقوس مع جيران جدد عرفتهم الهجرة عليهم، وزيارة الأقارب ولو كانوا بعيدين قليلاً وذلك من باب “صلة الأرحام” كما يقول أبو عبدالرزاق.
“حرمنا النزوح من طقوس عديدة، منها زيارة قبور ذوينا فالهجرة حرمتني من زيارة قبر والداي، أما هنا في المخيم نحاول أن نزور معارفنا وجيراننا وأن تظل خيمنا مفتوحة ونوزع ضيافات العيد والعيديات للأطفال لإسعادهم وبث الفرح في قلوبهم، فهم لا ذنب لهم بكل ما حدث ويجب أن يفرحوا رغم كل شيء، ونسعى لأن نصنع لأنفسنا عيداً مصغراً بكافة طقوسه ريثما يحل الفرج علينا ونعود لقرانا ليكون هناك العيد الأكبر والفرحة العظمى”
قصة خبرية بقلم: إبراهيم الخطيب
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع