“قد تأتي مساء يوم ما للبيت، وتراني قد تركته لك وخرجت أمشي في الشارع”، “نحن نريد شاب من حلب حصرا, لا نريد شاب من إدلب”، صدمني صديقي عامر (اسم مستعار) وهو يحدثني عن قصته مع فتاة أراد الزواج بها، فسطرتهاببضع كلمات عابرة.
“عامر”(اسم مستعار) شاب من مدينة إدلب، بلغ من ربيع عمره 31، يرغب كغيره بالعيش مع شركة حياة ناضجة، وزوجة طيبة تعينه وتقف بجانبه أمام التحديات الصعبة التي يعيشها السوري في تركيا، وسط انخفاض فرص العمل، وغلاء مرهق لا يستثني فقيرا ولا مسكينا، لكن على الأقل يحصل على شيء من الاستقرار العاطفي.
لم يكن بالحسبان أن النقاش بيني وبينه سيتطور قليلا ليحدثني، أو ربما “يفش خلقه”، “ويفضفض لي”، ما بداخله بصراحة أكثر لم أستطع تسطيره كله هنا، بدأ الأمر أن دعاني بعد العشاء لتناول “دجاج مشوي” معه، في البيت الذي جئته لأسبوع ثم غادرته، و فيه 3 شبان، وافقت على الفور، كنت أشعر بجوع مفرط, بعد يوم طويل من العمل، وفرصة للتعرف عليه، والتسامر قليلا.
البنت “المغرورة”..
أثناء تناولنا للطعام، كنت أسترق النظر إلى وجه عامر، الشاب الوسيم، أشقر الشعر، أحمر الوجنتين، جميل المحيا، بابتسامة تخفي وراءها الكثير، ولكن فاجئني فيه تجاعيد كثيرة في وجهه، خصوصا عند ضحكاته التي أبداها كلما حدثني عن قصص تقدمه للزواج من بنات رفضنه لأسباب لم يرها مقنعة برأيه، وكذلك أنا، كشباب نتعاطف مع بعضنا عموما.
يقول” تقدمت لفتاة جامعية، من أسرة الوالد طبيب، والأم مدرسة كيمياء، ذهبت لرؤيتها في بيتهم، أعجبتني الفتاة، كانت جميلة كما أريد، تدرس في السنة الثالثة، لكن صدمت بحديثها لي، عندما تناقشتني في المهر والمال، وطلبت مني 100 ألف ليرة تركية -عدى عن المهر-، كضمان لها ولا أدري ضمان إيش!. قالت لي أنها لا تدري ما يحصل بيننا في المستقبل.قلت لها إذا كانت ثقتك من الآن فيَّ هكذا, فلا أظنها ستستمر إن كان المال هو الذي يضمن لك استقرارك.
كيف تطورت الأحداث؟
كان والد الفتاة جيدا، ولكن لم يكن له سيطرة وتحكم على إدارة البيت وحسم الأمور بمعزل عن زوجته، وكانت الفتاة شبيهة بأمها.شخصية قوية ومستقلة. كان عامر يأكل وكأنه يمضغ الطعام مجبرا، ربما عادت به الذكريات لتلك الفترة، وأحزنته، واستثارت مشاعره وغضبه وقهره، كنت حينها، أحاول طمأنته، أنه شاب طيب، والكثيرات يرغبن به، إلا أنه يقول أنه تقدم للكثيرات، والغالب يرفضنه، بيأس ولوم على هذا المجتمع!
في آخر حديث بيني وبينها، غصبت لأن والدها دعاني لتناول الطعام في الخارج، قالت لي:”أنت كيف تأتي وتقبل العزيمة، وللآن لا يوجد خطبة حقيقية بيننا”، تناقشت معها قليلا، كانت تتحدث بغرور وكبر واضحين معي، ثم قلت لها، لا أود الحديث معك حتى نخطب ، فأرسلت لي رسالة طويلة.
يقول عامر ، أجزم أنها أعدتها مسبقا، تنهي فيها القصة بيننا، لأنها توقعت عدم استمرارها،أرسلت الرسالة لي تنهي الأمر. فأخبرت والدها بذلك، فتعجب، كونه لم يدر ما حصل، ولم تطلعه ، فاعتذر مني، وانتهت القصة.
“تقدمت لبنت من حلب، فرفضتني لأني من إدلب، اتصلت بأمها، ونصحتها لله، بغض النظر عن تقدمي لها، وقلت لها هذه عادة جاهلية “. ينطلق عامر بكلامه من مبدئ ديني فهو حافظ للقران، يحفظ البخاري وكثيرا من الأحاديث، كما أخبرني.
“تقدمت أيضا لفتاة من حمص، تسكن في الريحانية، فقالوا لي أنها صلت استخارة، ورأت مناما
وأشياء، وعلى إثرها رفضتني أيضا، وكان أول ما سألوه لي كم راتبك؟ وماذا تعمل؟
لم يكن راتبي مناسب لهم ربما، 1000 ليرة كل شهر هو راتبي، ولكني استطيع تامين 25 ألف ليرة تركية للزواج حالا. لم اقتنع برد الفتاة. كله نصيب.
انتهيت من تناول الطعام، أما عامر فلا يزال يتكلم ويأكل، غير آبه بالذي حصل، كانت ملامح عينيه تبدي ثقة وطمأنينة أنه ما حصل له خير، وأن الخير قادم، وأن فشله معهن، لن يكون إلا دافعا للمتابعة والحصول على زوجة مناسبة. لم يكن لدينا وقت ليسرد لي كل قصصه مع من تقدم لخطبتهن، تأخر الوقت وكنت وهو متعبان، فاعتذر مني وذهب للنوم.
بين المطالبة بمهور عالية، والسؤال عن الراتب الشهري والعمل، كثير من الشباب ممن يرغب بإعفاف نفسه والزواج، يقع ضحية هذه الطلبات الصعبة، في بلد فقير أصلا، وشعبه فقير، فكيف باللاجئ فيه، بل حتى التعصب لتزويج الخاطب من أبناء المدينة ذاتها، يكون مانعا وسببا للرفض من قبل الأهل أحيانا، وهذا ينعكس سلبا جدا على الشباب.
ولكن لسمير- اسم مستعار- أخ، قصته مختلفة، فقد جاء الأب والأم إليه، وعرضوا عليه تزويج ابنتهم له، هكذا ببساطة ويسر، وتم الزواج من شهرين. فشتان بين هذا وهذا.
خرجت من المنزل الذي يسكن عامر فيه، ولم أتواصل معه لفترة ، جاء بي القدر لأسكن في بيت، لا أعلم جاري فيه. أثناء نقلي له، قابلني عامر خارج من بيته، كانت مفاجأة سارة، أصبحنا جارين ثانية، لكنه والحمد لله قد تزوج. ويعيش بهناء مع زوجته.
محمد إسماعيل/ المركز الصحفي السوري