أفرزت الحرب السورية ظروفا استثنائية بالنسبة إلى الصحفيين، الذين اضطروا إلى دفع الكثير من التضحيات لتوثيق الحدث، وفي سبيل ذلك تعرضوا لشتى أنواع المخاطر ليس أولها القتل وليس آخرها الخطف والاعتقال من قبل النظام أو تنظيم الدولة الاسلامية الأمر الذي أجبر العشرات منهم في نهاية المطاف على الهرب إلى خارج البلاد.
في العام الماضي، وبينما كانت حالات الاختطاف والقتل ضد الصحفيين الدوليين في سوريا تشد اهتمام الإعلام العالمي، كان العشرات من الصحفيين المحليين يصارعون مخاطر مماثلة، ولكن بعيدا عن الأضواء. والكثير ممن كان نظام الأسد يضيّق عليهم أو يسجنهم في وقت سابق من الصراع الدائر باتوا الآن هدفا لتهديدات أو اعتداءات الجماعات المسلحة كتنظيم الدولة .
في المحصلة، أُجبر ما لا يقل عن 16 صحفيا سوريا على الهرب خارج البلاد حفاظا على سلامتهم في الفترة الواقعة بين يونيو 2014 و مايو 2015، منضمين بذلك إلى عشرات الصحفيين من شتى أنحاء العالم ممن يأخذون هذا القرار الصعب سنويا بترك أوطانهم وأعمالهم وأسرهم وأصدقائهم وراءهم للخلاص من شبح المضايقات أو السجن أو الاختطاف أو القتل انتقاما منهم على أعمال كتبوها.
وفي تقرير للجنة حماية الصحفيين الدولية ذكرت فيه أن أكثر من 450 صحفيا أجبروا على الحياة في المنفى منذ عام 2010 على مستوى العالم، 25 بالمئة منهم تقريبا من سوريا.
وقالت اللجنة التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، إن 101 صحفي من بين 452 صحفيا حصلوا على مساعدات من اللجنة خلال السنوات الخمس الماضية تعرضوا لهجمات من جانب الجماعات المتشددة مثل تنظيم داعش أو أنهم غادروا سوريا خشية التعرض للسجن من جانب الحكومة السورية. وأشارت إلى أن نحو 57 صحفيا فروا من إثيوبيا و52 اضطروا إلى الخروج من إيران والعيش في المنفى، وكانت إيران تتصدر تقديرات اللجنة في الماضي.
وصرحت ماريا سالازار فيرو، منسقة برنامج حماية الصحفيين باللجنة، “يتركز اهتمام العالم على عمليات الاختطاف والقتل للمراسلين الأجانب في سوريا، ولكن حتى مع تدهور أوضاع المراسلين الأجانب، فإن وسائل الإعلام المحلية تعاني أيضا من خسائر كبيرة”.
وقالت سالازار، “إن الصحفيين السوريين، وهم يواجهون نفس المخاطر التي يتعرض لها المراسلون الأجانب أو أخطر منها، ولكن دون توفير طريق ميسور للخروج من البلاد، فإنهم يضطرون إلى ترك وظائفهم أو الاختباء أو عبور الحدود، غالبا دون أسرهم أو ممتلكاتهم”.
ومع مقتل 83 صحفيا منذ اندلاع الحرب فى عام 2011، احتلت سوريا قائمة قتلى الصحافة في العالم خلال السنوات الثلاث الماضية.
وتعرض أكثر من 90 صحفيا للاختطاف، ونحو 20 لا يزالون مفقودين خلال هذه الفترة في سوريا، ويعتقد أن معظم المفقودين محتجزون لدى تنظيم الدولة الإسلامية.
قدم برنامج لجنة حماية الصحفيين لمساعدة الصحفيين، على مدار السنة، العون لما لا يقل عن 82 صحفيا من 30 بلدا مختلفا. وسوف تُصدر اللجنة تعدادها السنوي للصحفيين في المنافي في ذكرى اليوم العالمي للاجئين الذي يصادف يوم 20 يونيو.
منذ شهر مارس 2011، ساعدت لجنة حماية الصحفيين 101 صحفي سوري اتجهوا نحو الاغتراب في المنافي، حيث فاق عدد الصحفيين الذين فروا من هذا البلد في السنوات الخمس الماضية العدد في أي بلد آخر في العالم.ماريا سالازار فيرو: الصحفيون السوريون يضطرون إلى الاختباء أو عبور الحدود دون أسرهم
فابتداء من العام 2011، استلّ العشرات من السوريين والسوريات أقلامهم وحواسيبهم المحمولة وآلات تسجيل الفيديو والكاميرات والهواتف كي ينقلوا لباقي دول العالم ما يحدث في بلدهم، لاسيما مع بروز اتجاه متزايد في إقصاء الصحفيين الدوليين أو تعريضهم للأخطار.
ونقل السوريون الأخبار للمراكز الإعلامية المحلية والمواقع الإلكترونية الإخبارية والقنوات الإقليمية والمطبوعات العالمية، حيث غطوا فيها، إلى جانب أنباء النزاع، جوانب الحياة اليومية داخل بلدهم.
وقاموا بعملهم هذا في ظل مخاطر لا يُستهان بها؛ فسوريا ظلت البلد الأكثر دموية بالنسبة إلى الصحفيين لثلاث سنوات متتالية.
ولما بلغت المخاطر حدا زائدا عن الاحتمال، أُجبر بعض الصحفيين على الرحيل هاربين في أغلب الأحوال وأول الأمر إلى بلدان الجوار كتركيا ولبنان والأردن حيث استمرت المضايقات في بعض الأحيان.
وفي نهاية المطاف، نجح العديد من الصحفيين في التوجه غربا نحو ألمانيا وفرنسا أين يعيشون في أمان ولكنهم يعانون من مصاعب اجتماعية واقتصادية.
يروي عوض العلي، وهو مهندس يبلغ من العمر 27 عاما، كيف بدأ تصوير المظاهرات التي خرجت عام 2011 في مسقط رأسه بمدينة درعا جنوب غرب سوريا، حيث بثت قنوات لها جمهورها العربي العريض، تسجيلاته المصورة التي كان ينشرها على موقع يوتيوب. ثم انضم إلى مؤسسة إعلامية وعلّم صحفيين طامحين كيفية استخدام الكاميرا وبث مقاطع الفيديو. واشتملت تقاريره على أسماء السوريين الذين يسقطون قتلى وملابسات مقتلهم. وتلقى العلي تهديدات بالقتل على صفحته في موقع فيسبوك من قبل مؤيدي النظام والجماعات المتطرفة.
يقول “بسبب ما نقوم به من عمل، تم إحراق منازلنا وتهديد عائلاتنا. وكنا نتنقل من مكان إلى آخر خوفا من النظام. وكنا عرضة للخطر في كل مكان كنا ننتقل إليه”.
العلي ليس الصحفي الوحيد الذي أجبر على الفرار من جحيم الحرب والملاحقة، فما تزال معاناة الكثيرين مستمرة، ولم تتمكن اللجان والمنظمات الدولية من الوصول إليهم.
صحيفة العرب اللندنية