قبل يومين كانت الذكرى السابعة لأحداث 25 كانون الثاني ( يناير ) 2011 فيما سمي وقتها بداية الربيع العربي ، والذي نتج عنه ثورات عارمة أكتسحت العالم العربي وزلزلت أركان بعض الأنظمة العربية وماتزال ، فيما قضت تلك الثورات على بعض الأنظمة الجائرة .
ولعل الشاهد الوحيد المتبقي من تلك القفزة التاريخية للشعوب العربية خارج دوائر العبودية والطاعة والتهميش هي مجرد قصائد وأطلال تتغنى بمرحلة زمنية كان من شأنها تحقيق أحلام الشعوب العربية المستحيلة والبسيطة بآن معا ، إلا وهي الخبز والحرية والعدالة الأجتماعية .
واليوم وبعد سبع سنوات ينتاب بعض سكان المنطقة العربية شعور بالضياع والتلاشي في خضم خمول الثورات العربية أو محاصرتها من قبل الثورات المضادة أو من قبل تجمع الدول الكبرى المعنية بأدراة شؤون معظم الدول العربية كلا وبحسب ولائها وتبعيتها المفرطة لأحدى تلك الدول الوازنة على الصعيد العالمي ، وبينما يقر البعض وأنا من بينهم بأن تلك الثورات شكلت منفذ النجاة الوحيد لشعوب المنطقة العربية من أجل تحقيق الحرية والكرامة الأنسانية والعدالة الأجتماعية ، يزعم البعض بأنها مؤامرات خارجية تهدف إلى تحويل العالم العربي إلى دويلات طائفية يسهل الهيمنة عليها ؟؟
وأيا كان الأمر ، وبعيدا عن الخوض في سجالات ومهاترات حول الأسباب والدوافع ومن يقف خلفها والتي أدت إلى تحول الربيع العربي إلى خريف دامي أزهق أرواح بضعة ملايين من النسيج السكاني العربي وتدمير البنى التحتية بشكل كارثي ، وبمقارنة سريعة بين أهداف تلك الثورات والنتائج التي تمخضت عنه ، تطفو للسطح الأسئلة التالية …
إلا يحق للشعوب العربية التعبير عن ما يؤرق سبل معيشتهم وينغص عليهم حياتهم في ضوء أنظمة فاسدة تعتبر تلك الشعوب مجرد جراثيم وخونة ؟؟
وهل الشعوب العربية حكم عليها بتجرع كؤوس الذل والمهانة إلى مالانهاية ، ولايحق لها رسم ملامح مستقبلها وتفعيل رغاباتها الملحة بالتقرب ولو بأشواط بعيدة من مستويات تواجد بقية سكان العالم ؟؟
وبين تلك وذاك ، يسعى كلا الجانبين (الثائرون بوجه الأنظمة ، والمدافعون عنها ) إلى خلق تبريرات ونسج مسوغات تبيح لكليهما ( التشفي ) والسرور بضحايا الجانب الأخر ؟؟ وكأن الأمر برمته ( الربيع العربي ) مجرد عقار عضوي كشف نوايا بعض الشعوب العربية تجاه بعضها البعض ودفع إلى الواجهة حقيقة الأمراض التفسية التي يعاني منها قسم كبير من أتباع لغة الضاد !!
مما جعل بعض الشعوب العربية الغارقة في مستنقعات التصدي لحملة مشاعل الحرية ( الثائرين ) ووفقا لرؤية قادة الأحزاب السلطوية العربية للتغاضي عن التصدي لقضايا بالغة الأهمية (كقضية تحويل جغرافية مدينة القدس) بغية التفرغ التام لقمع الثورات العربية ؟؟
ففي الوطن العربي قلة قليلة من ينتمون لحزب الشعب مقابل الأعداد الهائلة المنتمية لأحزاب السلطة !!
ولنتطرق على عجالة لبعض شؤون الدول العربية التي أجتاحها الربيع العربي وماوصلت إليه مؤخرا ؟؟
جمهورية مصر العربية ؟؟
وسط أجواء احتفالية مهيبة ، نقلت مصر تمثالا أثريا عملاقا للملك رمسيس الثاني ليستقر في البهو العظيم بالمتحف المصري الجديد . وبينما أنتعشت روح رمسيس الثاني المغيبة في عالم الأرواح الأزلية أبتهاجا بالحفاوة التي لقيها تمثاله الحجري ، يختفي بعض المرشحين لمنصب رئاسة الجمهورية في حين يتنازل البقية عن الترشح ، ضمن مواقف تثير الريبة والشك حول نتائج الأنتخابات المصرية المقبلة في ضوء تفرد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي ضمن سباق المنافسة؟؟
حيث قدم مرتضى منصور ، رئيس مجلس إدارة نادي الزمالك، السبت، اعتذاره عن خوض سباق انتخابات الرئاسة في مصر والمزمع عقده في مارس/ آذار المقبل .
بينما وبعد إعلان عزمه الترشح، أحيل سامي عنان، الذي كان رئيسا لأركان الجيش المصري سابقا، إلى النيابة العسكرية بتهم تشمل مخالفة القواعد العسكرية وتزوير وثائق رسمية .
كما قررت الهيئة العليا لحزب الوفد المصري عدم تسمية مرشح لانتخابات الرئاسة المصرية، رافضة بذلك مسعى رئيس الحزب السيد البدوي الترشح في مواجهة الرئيس عبد الفتاح السيسي المترشح لولاية ثانية !!
وستشهد الأيام القادمة ظهور أسماء جديدة للترشح أمام السيسي ، كما ستعتذر أسماء أخرى ، مما يعيد إلى أذهاننا سيناريو ترشح الرئيس المخلوع حسني مبارك وفوزه مرات عدة بسباق الرئاسة فيما مضى .
الجمهورية العربية السورية ، أو مايسمى ساحة الصراعات الدولية والأقليمية والمحلية ؟؟
اختتمت الجمعة الجولة التاسعة من المفاوضات السورية برعاية الأمم المتحدة في فيينا ، وقدمت الولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا و الأردن و السعودية للمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستفان دي ميستورا ؛ مقترحا بعنوان “ورقة غير رسمية” .
وتهدف الورقة إلى إحياء العملية السياسية في جنيف بشأن سوريا استنادا إلى القرار 2254 .
بالطبع من شأن هذا الخبر أشعال موجات من السخرية ممتزجة بمشاعر الحزن والألم ، فالمجتمع الدولي والمشاركون بتلك المسرحيات الهزيلة من الجانب السوري ( النظام و المعارضة ) يمارسون أقذر أنواع الكذب الرياء بحق المتأملين بخروج تلك المؤتمرات بحلول عاجلة تفضي إلى إيقاف النزيف السوري والذي طال أمده سنوات طويلة ؟؟
فالمشاركون والمعدون والصحفيون والمحللون يدركون حقيقة تلك المؤتمرات الفاشلة والعقيمة الحلول ، فالدلائل والمؤشرات المنبثقة عقب كل أجتماع (والحديث هنا عن جنيف بفصله التاسع ) تكاد تكون متناغمة ومتوافقة مع رغبة واشنطن وموسكو وأذنابهم بأيهام الجمهور السوري (المتعطش للهروب من شبح الموت ) بقرب أوان الحل ، ويسبق التحضير لكل جولة في جنيف الزعم بأنها الأخيرة ضمن الملف السوري المتأزم !!
فهم يكذبون جميعا ، ونحن نصدق دائما ؟؟
ومن ناحية أخرى ، من الأستحالة بمكان تبرئة ساحة بعض المعارضين الذين شاركوا بمؤتمرات الأستانا سابقا وسوتشي لاحقا ، فالجلوس جنبا إلى جنب مع المجرم من شأنه الأعتراف الصريح بعدم أرتكابه الجرم ، وعلى مايبدو بأن أعضاء الأئتلاف السوري المعارض قد أكتشفوا متأخرين تلك الهفوة المقصودة وبادروا الأن إلى رفض المشاركة بمؤتمر سوتشي المقام هذا الأسبوع .
ولكن رائحة العمالة والتبعية العلنية لبعض الدول والتي تزعم زورا وبهتانا دعمها للثورة السورية في سبيل تحقيق مصالحها الشخصية ، بدأت تفوح وبشكل مقزز من الأسماء البراقة في جسد المعارضة السورية .
وكما جرت العادة خلال تلك المؤتمرات الهشة تحمل الأطراف المشاركة أسباب الفشل للطرف الأخر ، مما يفسح المجال لاحقا لخوض غمار مؤتمرات قادمة تحمل ذات الطابع ( الترقيعي ) للأزمة السورية .
حيث صرح رئيس وفد النظام بشار الجعفري إن الورقة غير الرسمية التي قدمتها الدول الخمس بشأن العملية السياسية في سوريا “مرفوضة جملة وتفصيلا” ، وعلى الجانب الأخر ، قال المتحدث باسم الهيئة يحيى العريضي إن الحكومة السورية وحلفاءها لم يقدموا التعهدات اللازمة ، وإن مؤتمر سوتشي محاولة لتقويض جهود الأمم المتحدة للتوسط في اتفاق سلام .
لينهي المهرج العجوز ” ديسمتورا ” اللغط حول المؤتمر ليقرر أنتهاء المؤتمر دون التوصل إلى منفذ عملي محملا وفد النظام أسباب الفشل ، ولم ننسى بعد كيف حمل العجوز في السابق المعارضة أسباب نكسة الجولة الثامنة من مؤتمر جنيف !!
حيث قال المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا اليوم السبت إن المحادثات بين النظام السوري والمعارضة انتهت في فيينا ، وبأنه ( ديمستورا ) غير راض عن الطرف الروسي لعدم الضغط بشكل كاف على النظام السوري من أجل الأنخراط في التفاوض ، وإن الأمم المتحدة لم تقرر بعد إن كانت ستحضر مؤتمر السلام في روسيا هذا الأسبوع .
وبطبيعة الحال ، يجب أن نزيل الغشاوة عن أعيننا عندما نحمل الربيع العربي فاتورة الدم في الدول التي زراها ، فلو قدر للثورات العربية النجاح بشكل مطلق لما وصلت الأمور إلى ماهي عليه الأن ؟؟
وقد تعمدت ذكر موضعين مختلفين ضربتهما أمواج التغيير الشعبي من أجل ذكر مايلي ..
فالنسخة المصرية وعقب قلب نظام الحكم تحت مظلة الربيع العربي وصلت إلى محطة لاتكاد تختلف كثيرا عن السابق ، ولاسيما بتساقط أوراق المنافسين للسيسي تباعا مما يجعل مقعد الرئاسة حكرا على الأخير !!
أما النسخة السورية ، فيتساءل البعض وبعد تلك السنوات الطويلة من الدمار والخراب والضحايا الذي أنهك كاهل المجتمع السوري ، ماهو الطائل من التغيير في حال أستحالة حدوثه ؟؟
عزيزي القارىء ، لقد كتب الفشل للثورات العربية حتى في تلك الدول التي يخيل للبعض بأنها نجحت ، ولكن الربيع العربي هو نوع من الصدمات الإيجابية والضرورية لتحطيم جدران الخوف والأنهزام داخل نفوس الشعوب العربية ، كما أنه ( الربيع العربي ) منخفض تاريخي مهم لامسه الجيل الصاعد المعول عليه أحداث الفارق الكبير في المنطقة العربية والذي فشلنا نحن بتحقيقه .
وبمعنى أخر ، كان لابد للجسد العربي من السقوط من فوق شجرة الأستسلام للواقع المرير وأصابته ببعض الكدمات والجروح ليعالج جراحه لاحقا ويرفض الصعود للشجرة مرة أخرى ، بينما يحمل في طيات عقله الباطني أمكانية الخروج بوجه الأنظمة الحاكمة أن تطلب الأمر ذلك ، وهذا مانشهده الأن في تونس فالمظاهرات تطالب بتغير السلطة مرة أخرى .
ومن لم يستوعب المشهد المراد توضيحه ضمن هذا المقال ، فقد تفشى بداخله داء العبودية دون أي أمل بالشفاء .
بقلم الكاتب محمد فخري جلبي
