التشرد عند الأطفال.. ” الأسباب، والنتائج، والحلول”

يعيش بعض الأفراد حياة تختلف عن الحياة التي يعيشها الإنسان الطبيعي من ناحية المسكن والمأكل والمشرب، في مكان غير مؤهل لاتخاذه كمسكن، أو غير آمن للعيش فيه، أو في العراء أوفي الحدائق أو على أرصفة الشوارع والطرقات، وهذا ما يُدعى بـ (التّشرّد).

هل كان تدمير #مخيم_اليرموك ( #فلسطين ) مقصودا لتغيير هويته؟

وينطبق هذا المفهوم أيضا على المنكوبين الذين فقدوا بيوتهم وقُراهم وباتوا بلا مأوى مدّة من الزمن، يشمل التّشرّد الفئات العمرية كافّة، وسيقتصر الحديث هنا على التشرّد عند الأطفال.

 

أسباب التشرد عند الأطفال:

هناك أسباب عديدة تؤدي إلى التشرد، من أهمها الفقر وظروف الحياة الصعبة، والعنف المنزلي الذي يتعرض له الأطفال أحيانا، الأمر الذي يضطرهم لمغادرة المنزل فيجدون أنفسهم بين مخالب التشرد، وسطوة المستغلين، أضف إلى ذلك الاضطرابات العقلية والأمراض والإعاقات الجسدية التي تمنعهم من ممارسة الحياة بشكل طبيعي، وأيضا الظروف القاهرة التي قد تتعرض لها الأسرة كفقد الأبوين أو انفصالهما، والعلاقات الزوجية المحرمة.

 

ناهيك عن ظروف الحرب والنزوح والتهجير التي تعدّ من أهم الأسباب المؤدية إلى ضياع مستقبل الأطفال، وقتل أحلام الطفولة، وزجّهم في مستنقع التشرّد، وما يترتب على ذلك من حياة بائسة.

 

وقد شاع في الآونة الأخيرة انتشار صور كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي لأطفال مشردين، إمّا وحدهم أو مع عائلاتهم، يفترشون الطرقات ويلتحفون السماء. ووصل الحال ببعضهم أن يتخذوا من قطط الشوارع والكلاب الشاردة أخلاء لهم، يؤنسون وحشتهم على الرغم من تزاحم الناس من حولهم.

 

الآثار الناتجة عن تشرد الأطفال:

يتأثر الأطفال النازحون، والمشردون بسبب الكوارث، من النواحي السلوكية والعاطفية، والعلمية، فيتراجع تحصيلهم العلمي والأكاديمي، ويؤثّر هذا أيضا على سلوكهم في المدرسة.

تمتد هذه التأثيرات لتنعكس على أوضاعهم الأسرية، وذلك عند ضمّهم كأفراد جدد ضمن عائلات جديدة، وبأنظمة أسرية جديدة أيضا، فضلا عن الخسارة الاجتماعية التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال، ما يؤدي إلى اضطرابات نفسية ومجتمعية.

لو قمنا بإسقاط هذه النتائج على الأطفال المشردين في سوريا بعد الحرب، والنزوح، والوضع الاقتصادي المتردي لاتضح لنا حجم المأساة التي يعيشها السوريون بسبب نظام غاشم، صبّ جام حقده على مدنيين عُزّل وأطفال أبرياء.

تلك المشاهد المؤلمة للأطفال المشردين لا تغيب عن الذاكرة، فتجدها حاضرة أبدا كمشاهد نومهم قرب الحاويات، وتجوالهم في الطرقات بملابسَ رثّةٍ وشعرٍ أشعثَ، ووقوفهم على مقربة من أماكن بيع الطعام، أو اللباس، أو الألعاب، وعند أبواب المدارس في بعض الأحيان، والأشد إيلاما منظرهم وهم يدخّنون، أو يتعاطون “الشعلة” ذات التأثير المخدر والنشوة الزائفة.

آثار التشرد:

للتشرّد آثار تطال الطفل المشرّد والمجتمع والبيئة المحيطة أيضا. فما هذه الآثار؟

 

1-آثار التشرد على الطفل جسديا ونفسيا:

يعيش الأطفال المشردون ظروفا معيشية ومجتمعية صعبة، يتعرضون خلالها إلى انتهاكات مختلفة، ويعانون صنوفا كثيرة من الحرمان، فينجم عن ذلك العديد من المشاكل الصحيّة والنفسية والسلوكية.

من هذه المشاكل الصحية: الإصابة ببعض الأمراض المزمنة، والأمراض المتعلقة بسوء التغذية، والإصابة بالطفيليات، وأمراض الأسنان واللثة، والتهاب الكبد، وغيرها من الأمراض الناجمة عن سوء التغذية وعدم العناية بالنظافة الشخصية، والعيش في ظروف جويّة صعبة.

أضف إلى ذلك الاكتئاب والقلق والاضطراب الثنائي القطب، وعدم الثّقة بالذات، والانحراف في السلوك، وتعاطي الممنوعات (المخدرات وما شابهها)، فينعكس ذلك سلبا على قدرة تكيف الطفل مع المجتمع واندماجه به، ولا سيما في مجال الدراسة، فيفقد أغلب حقوقه الاجتماعية والأمنية والمعنوية وربما يفقدها كلها.

 

إنّ حرمان الطفل المشرد من التعليم من الأكثر الآثار السلبية تأثيرا فيه؛ إذ يجد نفسه أمام تحديات سلوكية وعاطفية كثيرة لعدم قدرته على التعليم المناسب، وقد يحرم من التعليم بشكل كامل، فيزداد شعوره بالنقمة على المجتمع، وتزداد نظرته السوداوية لكل من حوله، ويسيطر عليه الجهل بكل تبعاته السلبية، ويزداد شعوره بالقلق حيال مستقبله المجهول، فينطوي على نفسه، وينسحب تدريجيا بعيدا عن المجتمع والانخراط فيه.

 

وبتسليط الضوء على واقع الأطفال المشردين تعليميا في سوريا بعد الحرب والنزوح نجد أن عددا كبيرا منهم قد حُرِم من ممارسة هذا الحقّ، فشوارع دمشق وباقي المحافظات التابعة لسيطرة النظام ملأى بالأطفال المشردين، وكذلك الحال في المحرّر، الأمر الذي يستدعي تدخلا سريعا لحل هذه المشكلة التي تهدد مستقبل أجيالٍ بأكملها.

 

2-آثار التشرد على المجتمع:

تنعكس ظاهرة تشرد الأطفال على المجتمع سلبيا، فتتكوّن نظرة دونية لأولئك المشردين، ويقوم المجتمع بتحميلهم مسؤولية الوضع الذي يعيشونه، دون النظر إلى الأسباب والظروف التي زجّت بهذا الطفل المشرد في الشوارع والأزقّة، وفوق الأرصفة والطرقات، وبين حاويات القمامة، والحدائق، والمساكن المهجورة.

وهذا بدوره يؤدي إلى ضعف المجتمع، وخلق فجوة مجتمعية كبيرة بينهم وبينه، وكلّما ازدادت هذه الظاهرة انتشارا ازداد تفكك نسيج المجتمع، وتنامى الخوف في نفوس أفراده.

 

هذا فضلا عن الآثار الاقتصادية التي تترتب على الدولة إزاء الحد من انتشار هذه الظاهرة، وما فيها من إلحاق الضرر في المرافق العامة والممتلكات.

 

3-         آثار التشرد على البيئة المحيطة:

يؤثّر التشّرد على البيئة المحيطة أيضا، وقد يؤدّي إلى زيادة في التلوث البيئي من خلال المخلّفات التي يتركها المشردون خلفهم في أماكن تواجدهم، أو الأماكن التي يرتادونها لعدم إحساسهم بالمسؤولية تجاه المكان أو بالانتماء إليه.

 

النظرة المجتمعية للمتشردين:

تتجاذب المشردين نظراتٌ مجتمعية مختلفة ما بين تعنيف وازدراء وحنوٍ وتجاهل، واستغلال.

والعنف الذي يتعرض له المشردون بسبب الضعف والحرمان وقسوة الحياة ينتج عنه ردة فعل عكسية لدى المشرد، فيتخذ من هذا العنف وسيلة للحصول على ما يريد في السكن والنوم وغيرها، الأمر الذي يتطلب التدخل لإيجاد حلول لهذه الظاهرة، فما هي؟

 

حلول مقترحة لمكافحة ظاهرة تشرد الأطفال:

 

كخطوة أولى فإن نواة إيجاد الحل لهذه الظاهرة يكمن في تفهّم احتياجات الأطفال المشردين، وإفراد كل حالة منهم بدراسة منفردة، والاهتمام بهم والتقرب إليهم والإحساس بمشاعرهم وحجم معاناتهم، أفلا يكفيهم قهرا قسوة المجتمع عليهم، وجور الحياة؟

 

وفي خطوة ثانية إيجاد أماكن إيواء لأولئك الأطفال المشردين، لانتشالهم من مستنقع التشرد، وتأمين حياة تليق بكونهم بشرا.

 

فضلا عن دعم الجمعيات الخيرية التي تتكفل بمساعدة مثل هذه الحالات من حيث السكن وتأمين اللباس والطعام والشراب وتقديم مبالغ من المال، والتبرع بالألعاب والهدايا وما شاكلها من مستلزمات الطفولة.

 

وأيضا إيجاد خطة دراسية تنهض بمستواهم التعليمي، ولا سيما أن أكثرهم ربما لم يتلَقَّ أي تعليم سابق، ناهيك عن العمل على زيادة الوعي المجتمعي حيال الأطفال المشردين وقضاياهم.

 

وللحد من انتشار هذه الظاهرة أيضا لابد من سن قوانين للقضاء على انتشار هذه الظاهرة، وأخرى تحمي المشردين من الانتهاكات التي يتعرضون لها من قبل الآخرين أيا كان شأنهم وغيرها مما يسهم في حل هذه المشكلة.

 

تبقى ظاهرة تشرد الأطفال ظاهرة سلبية تقضّ مضجع المجتمع، وتنهش أحلامَ طفولةٍ معذَّبةٍ، ذنبُها أنّها وجدت نفسها تحت سطوة ظروفٍ لَفَظَتْهم إلى خارج عائلاتهم ومنازلهم إلى أجواءِ حياةٍ قاسيةٍ بائسة.

 

بقلم: ظلال عبود

المركز الصحفي السوري

بتصرف عن:

ويكيبيديا، مفهوم التشرد وأسبابه لسناء دويكات، التشرد لجعفر الدندن، إضافة إلى آراء شخصية وخبرات مجتمعية.

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

 

المقالات ذات الصلة

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

ابحثهنا



Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist