وصفت مصادر خليجية مطّلعة الزيارة الخاطفة التي قام بها، الخميس، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى قطر بأنها زيارة لتحصيل الجباية مثلما كان أجداده العثمانيون يعملون مع الدول العربية التي احتلوها لقرون، وأن ذهابه إلى الدوحة كان هدفه الحصول من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على أموال قطرية لتمويل مشروع شرق المتوسط.
يأتي هذا في وقت ألمح فيه رئيس الوزراء القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني إلى أن تركيا على استعداد لملء الفراغ الذي قد يتركه انسحاب أميركي جزئي أو كامل من قاعدة العديد القطرية.
وضم الوفد الذي رافق أردوغان في زيارته للدوحة أسماء باتت معهودة في أي زيارة خارجية للرئيس التركي مثل صهره وزير الخزانة براءت البيرق، ووزير الدفاع خلوصي آكار، ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان.
وذكرت وكالة الأنباء القطرية الرسمية أن الشيخ تميم بحث مع أردوغان العلاقات الإستراتيجية بين البلدين والسبل الكفيلة بدعمها وتعزيزها في شتى المجالات، لاسيما التعاون الاقتصادي والاستثماري والتجاري والطاقة والدفاع “بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين”.
وقالت المصادر الخليجية إن الرئيس التركي يضغط على قطر لتتولى تمويل حملاته العسكرية في سوريا وليبيا، والاستعراض العسكري في المتوسط في استعادة لما قام به أجداده من قرصنة بزعامة الريس عروج وخيرالدين بربروس، فضلا عن تدخلات أخرى، وتحتاج كلها إلى تأكيدات قطرية بأنها لن تخلّ بالتزامات التمويل.
ولفتت إلى أن تركيا تطلب من قطر تمويل المشروع الذي عجزت عن تنفيذه بالرغم من الأموال الكثيرة التي دفعتها لفرض جماعات الإسلام السياسي في حكم دول ما بات يعرف بـ”الربيع العربي”، وهو ما تحاول تركيا القيام به من خلال تدخلها العسكري في ليبيا والناعم في تونس واليمن والصومال وعموم القرن الأفريقي، مستفيدة من بنية لوجستية ومالية وإعلامية قطرية.
وباتت قطر تدفع فاتورة باهظة لعلاقتها بتركيا، وأن أردوغان نجح في استغلال مكابرة القطريين وإعاقتهم خيار العودة إلى الحضن الخليجي ليبتزهم ويتحولوا إلى ممول رئيسي لإخراج الاقتصاد التركي من أزمة هيكلية مزمنة، فضلا عن تمويل مساعي حلم طوباوي لأردوغان باستعادة نفوذ أجداده العثمانيين، وهو ما يؤشر على أن قطر ستستمر في الدفع والتمويل إلى وقت غير معلوم.
في مقابل ذلك يدفع الرئيس التركي القطريين إلى تأزيم علاقات قطر بحلفائها التقليديين سواء من الخليج، خاصة مع السعودية، أو مع الولايات المتحدة، حيث ألمح رئيس الوزراء السابق المثير للجدل الشيخ حمد بن جاسم إلى أن لقطر “بدائل” في حال قررت واشنطن تقليص وجودها العسكري في قاعدة العديد القطرية.
وتبدو تصريحات الشيخ حمد بن جاسم عن العديد غريبة خاصة لتزامنها مع زيارة أردوغان للدوحة. وتعكس، وفق مراقبين، قلقا جديا لدى القطريين من تنفيذ الولايات المتحدة لتهديدات سابقة بسحب جنودها من قاعدة العديد كردة فعل على بناء الدوحة لشبكة علاقات مع جماعات إسلامية متشددة وضخ المليارات في تمويل أنشطة إرهابية.
وقال الشيخ حمد بن جاسم في تغريدة على تويتر إن الولايات المتحدة قد تخسر “مزايا مبيعات الأسلحة المتفوقة وقوة شركاتها المختلفة التي تستمدها من القوة الأميركية العسكرية”، وأنه “حين تنسحب القوة العسكرية الأميركية من الدول التي توجد فيها ستتبعها تلك الشركات، لأن كثيرا من الدول تحسب حسابا لأميركا بسبب قوتها العسكرية على النطاق العالمي”.
وأضاف “كما علّمنا التاريخ فإن قواعد اللعبة تتغير تغيرا كبيرا كلما حدث انسحاب للقوة العالمية. ومثال ذلك القوة العسكرية البريطانية التي كانت لا تغيب الشمس عن قواعدها في العالم وكانت تجني الكثير من المصالح بفضلها، اليوم نرى كيف تتقطع أوصال الجزيرة البريطانية بعد انسحابها وأفول شمسها”.
ويحمل كلام المسؤول القطري السابق تحذيرا إلى واشنطن من أن تقليص عدد القوات سيعني آليا خسارة المزايا الاقتصادية التي كانت تحصل عليها الشركات الأميركية، في موقف قال متابعون للشأن الخليجي إنه يخفي استقواء قطريا بالنفوذ المتصاعد لتركيا في البلاد، وهو نفوذ متعدد لكنه يظهر بالأساس على المستوى العسكري من خلال زيادة أعداد الجنود الأتراك في القاعدة العسكرية.
ولا تخفي تركيا رغبتها في بسط نفوذها على قطر وتحويلها إلى قاعدة متقدمة في سياق بناء نفوذ إقليمي جديد لها، وهو ما كشف عنه أردوغان في زيارته لقطر في نوفمبر الماضي، زاعما أن الوجود العسكري لبلاده في قطر حماها عند اندلاع الأزمة مع دول الخليج.
وتحدت الدوحة مطالب جيرانها في الخليج وخاصة ما تعلق منها بوقف التدخلات التركية والإيرانية التي تهدد الأمن القومي لدول مجلس التعاون الخليجي.
نقلا عن صحيفة العرب