تصر وزارة الخارجية الأمريكية على ان موقف الإدارة لم يتغير تجاه نظام بشار الأسد في سوريا لكي يتناغم مع الموقف الروسي بأن يبقى الأسد في السلطة. وقالت اليزابيت ترودو مديرة المكتب الصحافي في الخارجية الأمريكية إن الإتفاق الأمريكي الروسي حول خلق مرحلة انتقالية في سوريا يعني في النهاية رحيل الاسد. وأكدت انه لم يتم الموافقة على وثيقة الاقتراحات التي حملها وزير الخارجية جون كيري ليطرحها على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ورفضت ترودو الخوض في نتائج محادثات كيري مع الرئيس بوتين ودعت للإنتظار حتى غد ليعلن ذلك من البيت الأبيض وليس من الخارجية. ورفضت التعليق على ما نشرته صحيفة الواشنطن بوست عن «ان إدارة أوباما تدرس صفقة مع روسيا لتنسيق حملة من القصف الواسع النطاق ضد «جبهة النصرة» التي تدور في فلك تنظيم القاعدة في سوريا.
في المقابل، ستجبر موسكو نظام بشار الأسد على وقف قصف ميليشيات لا تعتبرها الولايات المتحدة جماعات إرهابية. ولكن لن يزوّد الجيش الأمريكي القوات الروسية بـ «المواقع المحددة لهذه الجماعات» بل «سيحدد مواقع جغرافية آمنة لن تطالها الغارات الجوية التي يشنها نظام الأسد والطائرات الروسية.»
وبينما يقول اندرو تابلر المحلل السياسي في واشنطن انستيتوت الذي عمل مستشاراً إعلامياً للأسد أن من شأن مثل هذه الاتفاقية أن تساهم في دحر التوسيع الأخير لـ «جبهة النصرة» في شمال غرب سوريا، باستنادها على الخروقات المتكررة التي يرتكبها النظام بحق اتفاقية «وقف الاعمال العدائية» التي توسطت فيها واشنطن وموسكو. إلا أن التحدي يكمن في تقليص حدة الخطر الذي يتمثل في أن يصبح الأسد المستفيد الرئيسي من الضربات المشتركة التي تستهدف جبهة النصرة.
ويشير إلى تفادي هذا السيناريو، خرق اتفاقية من شأنها أن تترك، بواسطة نطاقها الجغرافي ودقتها، أثراً إيجابياً على وضع الثوار المعتدلين الذين يحظون بدعم الغرب. وتتطلب هذه المسائل الثلاث بحثاً دقيقاً.
اولا: أي مناطق ستطالها الغارات. «جبهة النصرة» تتصرف بعدائية مع الجماعات والمجتمعات المتمردة الأكثر اعتدالاً التي تدعمها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون. فإذا استهدفت الغارات الأمريكية والروسية المشتركة ضد جبهة النصرة المناطق التي تشهد صراعاً بين الجبهة وقوات أخرى مناهضة في ظل غياب النظام، فسيؤدي مثل هذا الاستهداف إلى مساعدة هذه القوات في دعم الأسد من دون أن يتكبّد أي عناء. ومع ذلك فإن النتائج ستكون مختلفة تماماً إذا نُفّذت الهجمات في مناطق تستهدف فيها جبهة النصرة النظام بتعاون ضمني مع جماعات أخرى، وسيستفيد النظام من مثل هذه الهجمات التي ستحطم آمال المعارضة غير الجهادية.
ثانيا: ارتباط التعاون بعدم استهداف روسيا لجماعات أخرى غير تنظيم الدولة الإسلامية و«جبهة النصرة». وتسعى روسيا إلى منح ألقاب إرهابية إلى ميليشيات الثوار كجيش الإسلام وأحرار الشام على سبيل المثال، أي الجماعات السلفية التي لا تتطابق رؤيتها مع الرؤية الأمريكية التي تفادت واشنطن استبعادها أو استهدافها نظراً للفائدة التي تقدمها في محاربة الأسد. وإذ تتطلع موسكو إلى نيل رمزية التعاون السياسية مع الولايات المتحدة، لا بد من إعلامها أن هناك ثمناً عليها أن تدفعه لقاء مثل هذا التعاون أي أن عليها أن تركّز هجماتها على الجماعات التي يوافق البلدين على أنها إرهابـية.
ثالثا: مدى تصعيد النظام لغاراته ضد الجماعات التي لا تنتمي إلى جبهة النصرة. في الغوطة الشرقية على سبيل المثال، فقد استهدف الجيش السوري مؤخراً جيش الإسلام مستفيداً من المشاحنات الحاصلة بين هذه الجماعة وجبهة النصرة. وفي حين لا يبدو منطقياً الاعتقاد أن دمشق ستقبل بالشروط نفسها التي وافقت عليها موسكو وتتعلق بمن ستستهدف الغارات، يتعين على واشنطن أن توضح أنها ستفسخ هذه الصفقة إذا أقدم النظام على تصعيد وتيرة مثل هذه الهجمات في محاولة لرفع وتيرة العمليات الروسية التي كانت قد انخفضت ضد الجماعات التي لا تنتمي إلى جبهة النصرة.
ويضيف: تبقى الحقيقة الجلية أن جبهة النصرة تضطلع بدور مهم في التصدي للهجمات التي تطال شمال شرق سوريا ولاسيما إدلب ومحيط حلب. وتساهم الهجمات الانتحارية التي تنفذها في استهداف نقاط التفتيش والتحصينات التي تمثّل إلى حد كبير الوسيلة الوحيدة المتوفرة لمواجهة وابل المدفعيات والغارات الجوية والبراميل المتفجرة التابعة للأسد.
وتشكّل التكتيكات الانتحارية، التي ترسمها جبهة النصرة وجند الأقصى وحركة تركستان الشرقية الإسلامية وغيرها من الجماعات المتطرفة، خطراً حقيقياً يُحدق بالعمليات التي ينفّذها الجيش السوري في شمال شرق البلاد لاسيما في اللاذقية وحماة وحلب والقرى العلوية في منطقة حمص بما فيها قرية الزارة، حيث تفيد بعض التقارير أن جبهة النصرة والمنتسبين إليها قاموا بذبح مواطنين في شهر أيار / مايو. ونتيجة لذلك، اضطر النظام إلى تحويل مهمة القوات من تنفيذ العمليات إلى استعادة تدمر ودير الزور وطبقة وفرض سيطرتها عليها.
وحسب تابلر :يكمن الخطر في أن يضع التعاون الأمريكي- الروسي ضد جبهة النصرة، الجماعات الأكثر اعتدالاً في مواقع الخطر. وإذا ما انتهى هذا التعاون إلى تعزيز النظام، قد تشعر المعارضة المعتدلة المنقسمة أنها بحاجة إلى أن تفاوض الأسد من أجل البقاء، على غرار ما فعلته بعض الجماعات في دمشق. وسيخفف هذا الأمر من عزيمة النظام وحلفائه الإيرانيين على تقديم تنازلات مهمة مما يجعل التوصل إلى تسوية تفاوضية دائمة للحرب أكثر صعوبة.
وبالتالي يكمن التحدي الحقيقي في عثور الولايات المتحدة على سبل لتعزيز المعارضة المعتدلة في الوقت الذي تلاحق فيه جبهة النصرة. وبذلك، يتعين على واشنطن أن تضع نصب أعينها مراقبة كيف يمكن أن يؤثّر تعاونها مع روسيا على سير الحرب بصورة شاملة. ولن يؤدي القصف الروسي والغربي المشترك لـجبهة النصرة إلى انتفاضة شعبية مناهضة لها. بل قد ينتج عن هذا الأمر ردة فعل مناهضة للغرب وقد يشعر الثوار المعتدلون بالخيانة إذا لم ترافق استراتيجية القصف الجديدة خطوات صلبة لتدعمهم.
وينتهي تابلر للقول: إن قبضة روسيا والأسد ليست بالحديدية خاصة في الوقت الراهن. ويسعى النظام جاهداً للحفاظ على نجاحاته في شمال غرب البلاد، التي لم تكن لتتحقق لولا التدخل الهائل للطيران الروسي. وقد تهدد جبهة النصرة القاعدة الجوية الروسية مجدداً في حميميم في المستقبل القريب. وفي هذه الحالة، ستحظى الولايات المتحدة بموقع تفاوضي قوي ولا يجب أن تتخلى عنه بمنتهى السهولة.
القدس العربي