في سياق الحملة التي يقوم بها ناشطون وناشطات من مدينة منبج عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تهدف إلى التحذير من كارثة إنسانية يُخشى من وقـــــوعها حيال الاقتتال الدائر بين حزب «الاتحاد الديمقراطي» وتنظيم «داعش».
وكذلك تهدف إلى تنبيه المجتمع الدولي ليتحمل كافة مسؤولياته حيال ما يقارب خمسمئة ألف مواطن مدني، يمكن أن يتحوّلوا إلى دروع بشرية لدى تنظيم «داعش»، أقول: في موازاة ذلك ترتفع أصوات عديدة من الطرف الآخر، المؤيد لحزب «الاتحاد الديمقراطي» وتحاول أن تفسّر حملة الناشطين على أنها تأييد لـ»داعش»، ثم تمضي هذه الأصوات باتهام الناشطين بالتباكي والتهويل والمبالغة المغرضة، كأنها تريد القول: لماذا كل هذا التباكي والتخوّف من قدوم قوات سوريا الديمقراطية التي تريد تحريركم؟ وهل أنتم الآن تعيشون في فردوس وتخشون فقدانه؟
ألم يمارس عليكم تنظيم «داعش» أبشع الأساليب وأقذرها؟ وتوضيحاً لهذه المناكفات وسواها، ينبغي التأكيد على ما يلي:
أولاً: إن قرار الحرب على تنظيم «داعش» وطرده من منبج وعموم الريف الشرقي لمدينة حلب لم يكن قراراً سورياً ولا قراراً من حزب الاتحاد الديمقراطي، بل هو قرار أمريكي يهدف إلى بسط النفوذ الأمريكي على الشمال السوري، في سياق تقاسم النفوذ الروسي الأمريكي في سوريا.
ثانياً: لقد آثر الأمريكان عدم التنسيق مع الجيش الحر في حربهم على «داعش» لأن الأخير أصرّ على محاربة نظام الأسد و»داعش» معاً باعتبارهما وجهين لعملة واحدة، وهي الإرهاب. أمّا حزب «الاتحاد الديمقراطي» فله مشروعه الخاص به، ولعلّه لا يرى في إسقاط نظام الأسد إحدى أولوياته، وهذا ما ينسجم مع التوجه الأمريكي بالإبقاء على نظام الأسد وعدم السماح بإسقاطه في المرحلة الراهنة.
ثالثاً: إن فصائل الجيش الحر من أبناء مدينة منبج بدأت بقتال تنظيم «داعش» قبل أن تتشكل «قوات سوريا الديمقراطية»، وقد استطاعت هذه الفصائل بقواها الذاتية وبدون الغطاء الجوي الأمريكي في ديسمبر 2014 طرد «داعش» من المدينة بشكل كامل، ثم عاود التنظيم المذكور وحاصر المدينة ثمّ احتلها كاملة نتيجة تخلّي كل الجهات الإقليمية والدولية عن دعم الجيش الحر المرابط في منبج، أعني بذلك أن محاربة الإرهاب بكل أصنافه هو أحد خيارات الجيش الحر إدراكاً منه بفداحة الخطورة التي تلحقها التنظيمات الإرهابية بالثورة السورية. ومنذ احتلال «داعش» لمدينة منبج وحتى هذه اللحظة مازالت فصائل الجيش الحر المنبجية تخوض معارك حامية مع التنظيم المذكور وقدّمت جرّاء ذلك المئات من الشهداء خلال المعارك الدائرة في ريف حلب الشمالي.
رابعاً: إن معظم التحفظات التي يبديها الناشطون من «قوات سوريا الديمقراطية» لها ما يبررها ولم تأت من النوايا المسبقة أو التكهنات المفترضة فحسب، إذ لا أحد يستطيع تجاهل أو إنكار آلاف المدنيين المهجرين من أبناء تل رفعت وبقية بلدات وقرى الريف الشمالي، الذين اجتاحتهم «قوات سوريا الديمقراطية» تحت غطاء جوي روسي، وما يزالون حتى هذه اللحظة يسكنون الخيام في محاذاة معبر باب السلامة الحدودي، وكذلك لا أحد يستطيع تجاهل استهداف «قوات حماية الشعب» المتمركزة في حي الشيخ مقصود في حلب لطريق الكاستيلو بهدف قطع الشريان الوحيد والأساسي لمدينة حلب تجاه العالم الخارجي.
بالتأكيد ليس المقصود من هذه الإيضاحات تأجيج التناحر أو الصراع بين طرف وآخر، أو إغلاق قنوات التفاهم وجسور التواصل بين قوى الثورة السورية المتمثلة بالجيش الحر والحراك المدني من جهة، و»قوات حماية الشعب» من جهة أخرى، وإنما أردتُ التأكيد على ضرورة تفهّم كل طرف لحاجيات ومخاوف الطرف الآخر من جهة، وكذلك للتأكيد على أنّ حيازة القوّة في ظرفٍ معيّن لا تعني حيازة الحق، وإيماناً بذلك فإني أعتقد بضرورة تفعيل واستثمار كل الفرص المتاحة للحيلولة دون وقوع ما لا تُحمد عقباه، بل من الواجب الإنساني والأخلاقي والوطني أن يفكّر الجميع في السبل التي تحقن الدماء وتصون الأعراض وتحافظ على الحقوق، قبل التفكير في إقصاء الآخر وسحقه واعتماد مقولة (من يحررْ يقررْ).
ولمزيد من التوضيح يمكن إطلاق التساؤلات التالية: 1 – ألا يمكن للجانب الأمريكي باعتباره هو صاحب قرار الحرب أن يحرص على وجود فصائل عسكرية للجيش الحر أثناء دخول المدينة، استبعاداً لكل المخاوف التي تنتاب أصحاب الأرض؟
وأعني فصائل عسكرية أساسية معروفة من أبناء المدينة وليست شخصيات انضمت إلى «قوات سوريا الديمقراطية».
2- أليس بوسع الأمريكان تشكيل إدارة مدنية من أبناء البلد والاستفادة من تجربة المجلس المحلي في المدينة بدلاً من تشكيل مجلس لا ينطوي سوى على تطعيمات محلية ليس لديها أي خبرات سابقة؟ ألا يتوجب على حزب «الاتحاد الديمقراطي» أن يتجاوز ثنائية ( أمّا أنا أو داعش)؟
أليس من المنطقي إدراكه أن الثورة الســـورية العظيمة انطلقت لإسقاط نظام الظلم والاستبداد وقدّم الشعب السوري مليوني شهيد وأضعافهم من الجرحى والمشردين والمفقودين، ومازال هذا الشــــعب العظيم يقاوم بكل بسالة كافة القوى المتحالفة مع نظام الأسد إقليمياً ودولياً، وأن أي تحالف مهما كان شكله مع نظام الإجرام الأسدي هو عدوان سافر على ثورة السوريين؟
وأخيراً أليس جديراً بـ»قوات سوريا الديمقراطية» أن تسعى إلى حيازة شرعيتها من خلال التماهي مع تطلعات السوريين وسعيهم لبناء دولة العدل والقانون والمواطنة، بدلاً من الاعتماد على موازين القوى الآنية التي لا تخدم سوى مصالح الدول المتصارعة على الأرض السورية؟
أتمنى أن تؤخذ هذه التساؤلات بحسن نية،علّها لا تكون النداء الأخير قبل وقوع ما لا نرجوه.
القدس العربي