أثارت التصريحات الأمريكية حول قرب معركة الرقة الكثير من التحليلات في الصحف الغربية أمس، بالإضافة إلى اهتمامها بالانتخابات الأمريكية والتحليل في حال فاز المرشح الجمهوري ترامب او المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، كما ان حلب والموصل كانتا على ايضاً ضمن اهتمام الصحف العالمية.
صحيفة «الاندبندنت» البريطانية قالت في افتتاحيتها أمس ان العلاقة بين دونالد ترامب وروسيا ستكون أكثر خطراً على الاستقرار العالمي فيما اذا كانت هيلاري كلينتون هي الرئيسة المقبلة للولايات المتحدة الأمريكية.
واضافت ان أمريكا وصلت إلى مستويات نجاح عالية في مقاومة الهيمنة الروسية في أوروبا الشرقية، ومن غير المعقول ان تقف الولايات المتحدة الأمريكية الآن مكتوفة الايدي، بينما يقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتن باعادة تأسيس امبراطورية ستالين.
وكان دونالد ترامب قد صرح في بيان له بعد تراجعه في استطلاعات الرأي الخاصة بالانتخابات الأمريكية الأخيرة، والتي تُظهر انه تراجع بشكل كبير ان تعامل هيلاري كلينتون مع الملف السوري قد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثه، وهي التصريحات التي يمكن اعتبارها بالغريبة، حيث ان ترامب من أكثر الشخصيات الأمريكية تطرفاً في التعامل مع الملفات الدولية.
الأكثر استغراباً من هذه التصريحات ان كثيراً من الأمريكيين والشعوب الاخرى في العالم تؤمن بأن تنظيم «الدولة» أكثر شروراً واشد خطراً من الرئيس السوري بشار الاسد وسوريا كدولة، فسوريا وبشار الاسد لم يكونا ابداً متطورين في هجمات تطال الغرب او إثارة الإرهاب في باريس او تفجير الآثار العالمية القديمة، وليس هناك اي خطط لبشار الاسد في احتلال اي من الدول المجاورة او فرض الشريعة الإسلامية، من هذا المنطلق يجب على الولايات المتحدة ان تقوم بالتعاون مع روسيا وبشار الاسد من اجل محو تنظيم «الدولة» من الوجود، وهو ما يقول ترامب انه سيفعله.
على الجانب الآخر فإن هيلاري كلينتون لوحظ أنها ستكون أكثر احتمالاً لمواجعة وتحدي الدب الروسي من ترامب، خصوصاً في الملف السوري، وعبر النزاعات الأخرى حول العالم ولا سيما الملف الأوكراني، وهو الأمر الذي قد يشعل الحرب الباردة الثانية او حتى الحرب العالمية الثالثة.
الصحيفة تضيف ان هناك عيوباً خطيرة في هذه الحالة السطحية، أولاً فالرئيس السوري بشار الاسد له سمات خاصة من الشر، فقد استخدم الغازات والأسلحة المحرمة دولياً ضد شعبه، وقام بقصف المدنيين بمساعدة الروس، كما قاموا بقصف قوافل المساعدات الإنسانية، وهو الامر الأكثر خطورة من تنظيم «الدولة» وهذا الامر غير قابل للنقاش، وبالاساس فنظام الاسد هو الذي خلق الظروف المناسبة التي ازدهرت خلالها قوة تنظيم «الدولة»، حيث ان هناك قوى وفصائل اخرى قادرة على تشكيل حكومة متحضرة وسلمية، وهي القوى التي تم الاتفاق من أجلها على وقف اطلاق النار في حلب قبل بضعة اسابيع والذي تم التوافق عليه بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وقد كان نتاج فشل هذا الاتفاق دفع العالم للاختيار بين الرئيس بشار الاسد وتنظيم «الدولة» وهو بالأساس اختيار غير منطقي على الإطلاق.
الافتتاحية في «الاندبندنت» تقول انه يجب علينا ثانياً ان ننظر بشكل أوسع إلى السعر الذي يقوم دونالد ترامب بدفعه من أجل علاقات ودية مع الروس، فهو يسمح للروس بأن يفعلوا ما يحلو لهم بشكل اكبر او اقل، وهو ما يمكن ان يعتبر زيادة للنفوذ الروسي في العصر الحديث، كما ان سياسة ترامب هي سياسة إنعزالية، وهي التي لا تراعي ان لدى الولايات المتحدة مصالح حيوية في العالم كما للروس، وان العالم سيتم تفتيته وفقاً لهذه السياسة التي يتبعها ترامب، وحتى الآن لا يوجد اي ضمان ان تفتيت العالم سيكون مستداماً ولن يشعل الحروب في العالم، وان الهيمنة الروسية في العالم ستكون كاسحة خصوصاً في أوروبا الشرقية، وهو الامر الذي لن يكون بالتأكيد في مصلحة الاتحاد الاوروبي وبريطانيا.
وتختتم الصحيفة افتتاحيتها بالقول إنه حتى لو قامت هيلاري كلينتون بمواجهة الروس، كما فعلها العديد من الرؤساء الأمريكيين وهو الأمر الذي يهدد بمواجهة نووية في العالم، الا ان ترامب لا يحاول حتى مواجهة او مقاومة العدوان الروسي على العالم، وعلى المدى الطويل هذا الامر سيجعل العالم أكثر خطورة مما نتوقع.
معركة الرقة
فيما قالت صحيفة «دايلي تلغراف» البريطانية في تقرير نشرته امس ان وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون قال ان معركة تحرير مدينة الرقة السورية، عاصمة تنظيم «الدولة» في العراق وسوريا والتي اعلنها التنظيم عاصمة لـ «دولة الخلافة» الخاصة به ستبدأ خلال اسابيع قليلة.
وتقوم الصحيفة ان التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بعضوية بريطانيا يأمل ان شن الهجوم على محورين مختلفين لتنظيم «الدولة» في كل من العراق وسوريا سيقوم بوضع ضغط كبير على التنظيم، وهو ما سيقوم باضعاف الدفاعات الخاصة به، كما ان وزير الدفاع الأمريكي قال سابقاً ان فكرة العمليات المتزامنة كانت جزءاً من تخطيط التحالف الدولي منذ فترة.
غير ان الهجوم على الرقة سيكون أكثر تعقيداً من الهجوم على مدينة الموصل، حيث ان التحالف الدولي ليس لديه حليف قوي على الأرض في سوريا كما في العراق، فالقوات العراقية تساند التحالف الدولي في الموصل، وهذه المساندة غير متوفرة في سوريا لتحرير مدينة الرقة، لذا قد يعتمد التحالف على قوات المعارضة المعتدلة والمقاتلين الأكراد بمختلف تنظيماتهم.
وعلى الجانب الآخر تقول الصحيفة ان تركيا تعارض مشاركة الجماعات الكردية، والتي تريد ان تلعب دوراً هاماً في هذه المعركة، كما ان الروس يصرون على ان تشارك قوات الرئيس السوري بشار الاسد في اي معركة لتحرير مدينة الرقة من قبضة تنظيم «الدولة».
صحيفة «التليغراف» أيضاً تضيف في الافتتاحية لها ان الناتو يجب ان يظهر جبهة متحدة بوجه سوريا، والتي تبدأ من حادثة سحب موسكو لطلبها من اسبانيا تزويد سفنها الحربية المتوجهة إلى سوريا بالوقود.
الصحيفة تقول ان حكومة إسبانيا التقطت أنفاسها بعد ان قامت روسيا بسحب طلبها الخاص بتزويد سفنها بالوقود من الموانئ التي تديرها، وذلك عقب طلب اسبانيا من الروس توضيحات حول الهدف الحقيقي لمرور الاسطول الروسي الحربي في البحر المتوسط.
الافتتاحية تقول ان اسبانيا، احد اعضاء حلف شمال الاطلسي «الناتو» كانت تقوم باستمرار بتجهيز السفن الحربية الروسية بالوقود في ميناء سبته المغربي والواقع تحت السيطرة الاسبانية نافية أي معرفة لها ان هذه السفن تذهب إلى شرق البحر الابيض المتوسط وتقوم بلعب دور في الحملة العسكرية الروسية في سوريا والتي تدعم الرئيس السوري بشار الاسد ضد قوات المعارضة السورية المدعومة من الحلف وأوروبا، وان الموقف الاسباني كان يهدد بشرخ كبير داخل الحلف، كما ان مدريد لم تناقش مع موسكو السبب وراء تحرك هذه السفن إلا بعد نشر الصحيفة تقريراً يفيد بأن روسيا تقوم بتزويد السفن الحربية الروسية المتوجهة إلى سوريا.
وتختتم الصحيفة أنه في مثل هذه الظروف يجب ان يكون الناتو والدول الثماني والعشرون داخلة جبهة واحدة من اهمها ردع اي افعال او مغامرات للقوات الروسية في العالم.
وفي السياق نفسه قالت «دايلي بيست» الأمريكية ان الجيش الأمريكي ينوي التعجيل بتفيذ خطته لعزل ومواجهة مدينة الرقة السورية والتي يعتبرها تنظيم «الدولة» عاصمة «دولة الخلافة» لعدة اسباب منها ما رصده الجيش الأمريكي من دلائل تفيد بتخطيط التنظيم لتنفيذ عمليات ضد الدول الغربية.
وقالت نانسي يوسف كاتبة المقال ان الجنرال ستيفن تاونسند في مؤتمر صحافي خاص بالبنتاغون ان الأمر ما زال غامضاً بخصوص نوع العمليات التي ينوي التنظيم تنفيذها ضد الغرب، وان المسؤولين الأمريكيين يعلمون ان التنظيم يخطط لشيء ما ولكنهم لا يعملون أين أو متى سيكون الهجوم المقبل.
وتقول الكاتبة ان الولايات المتحدة ترغب بشدة في تنفيذ خطط بشأن التنظيم بأسرع وقت ممكن، حتى انها على استعداد لاغضاب حليفتها الإقليمية الأكبر تركيا، حيث انها تنوي الاستعانة بالقوات الكردية المحلية وهو الامر الذي تعارضه تركيا.
فقد اعلن مسؤولون امريكيون ان القوات الكردية ومن ضمنها وحدات حماية الشعب الكردية سوف تكون جزءاً من الحملة العسكرية على معقل تنظيم «الدولة» في مدينة الرقة وهو ما يمكن اعتباره التصريح العلني الأجرأ حتى الان فيما يتعلق بمدى استعداد الولايات المتحدة الأمريكية لدعم القوات البرية التي تواجه تنظيم الدولة حتى مع الاعتراضات القوية للحليف الاكبر في حلف الناتو.
تشابه الموصل وحلب
صحيفة «الفايننشال تايمز» قامت بعقد مقارنة بين مدينة الموصل العراقية ومدينة حلب السورية معتبرة انهما وجهان لعملة واحدة.
وقالت رولا خلف كاتبة المقال في الصحيفة ان وجه الشبه بين المدينتين انه في حلب كان السكان المحليون أمام خيارين بعد إلقاء الطائرات لمناشير على السكان، فكان عليهم الاختيار بين الحافلة الخضراء أو ان يكونوا جثثاً هامدة، فالحافلة تمثل طريق الهروب من المدينة بينما الجثة الملطخة بالدماء خيار من اراد البقاء في المدينة من سكانها، خصوصاً المدنيين الذين يعيشون في حلب الشرقية تحت سيطرة قوات المعارضة، فهم مطالبون بالاستسلام سواء احياءً او أمواتاً.
الأمر نفسه يتكرر تقريباً في الموصل، فقد قامت القوات العراقية بتوزيع منشورات على سكان الموصل المحاصرة، والواقعة في شمال العراق، في الوقت الذي يشن فيه التحالف المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية هجوماً لتحريرها من تنظيم «الدولة»، غير ان المنشورات التي تم توزيعها في الموصل تحمل تعليمات عن كيفية البقاء الآمن من الغارات الجوية في حال حدوثها، فالهدف منها مساعدة السكان على البقاء في اماكنهم بدلاً من بدء النزوح الجماعي لهم إلى خارج المدينة.
الكاتبة تقول ان حلب والموصل كانتا تتشاركان التاريخ والثقافة نفسها، حيث انهما كانتا تضمان الاغلبية السنية في الدولة الزنكية خلال القرن 12 وتم فصلهما بشكل دائم بعد انهيار الامبراطورية العثمانية حين رسمت القوى الاستعمارية حدود الشرق الأوسط حيث ان بريطانيا اصرت على ان تكون الموصل تحت نفوذها وضمتها للعراق لاحقاً.
الكاتبة اختتمت المقال بالقول إن السمات المتشابهة بين المدينتين والمحن التي تولدت فيهما نشأت من مظالم متشابهة واعتبرت العنف ضد اهل حلب الشرقية غير مبرر ويمكن وقفه بمرسوم من الكرملين، فيما ان هناك خطراً حقيقياً ان يتم طمس التمييز بين حلب والموصل اذا تعثر الهجوم على مدينة الموصل او لم ينجح، فيما ان النجاح فيها سيقاس بطريقة التعامل مع السكان بعد دحـر تنـظيم «الدولـة».
القدس العربي