دمشق ـ «القدس العربي»: يصف ناشطون سوريون حقوقيون أحوال ابناء العاصمة دمشق واللاجئين والنازحين إليها من محيطها ومن المحافظات السورية كافة بأنهم يعيشيون داخل أقبية سجن كبير، وأن دمشق عاصمة آمنة من حالات القصف والتدمير، ولكنها في الوقت ذاته تعد مسرحاً كبيراً للاضطهاد والإجراءات الأمنية الشديدة التي تكبل حياة مئات آلاف المدنيين فيها.
مصادر خاصة من دمشق، أكدت لـ «القدس العربي» إقدام شعبة المخابرات العسكرية التابعة للنظام السوري على استصدار قراراتها وتعليماتها للأفرع الأمنية كافة بضرورة التخفيف من أعداد العائلات السورية التي وفدت إلى العاصمة دمشق من ريف دمشق، إبان حرب قوات النظام السوري على تشكيلات المعارضة السورية المسلحة.
كما شملت القرارات والأوامر التي أطلقها رئيس شعبة المخابرات، اللواء «محمد محلا» وفق المصدر، العائلات السورية التي وفدت إلى دمشق من محافظات أخرى، كـ «دير الزور، الرقة، حمص» وغيرها.
حرب القرارات
الإجراءات والقرارات وكذلك التعليمات التي اتخذتها شعبة مخابرات الأسد، والتي تم توزيعها على الأفرع الأمنية الكبرى في العاصمة كـ «فرع فلسطين، فرع المنطقة، فرع المداهمة 217» وغيرهم، شملت وفق المصدر، عدم منح العائلات التي وفدت من ريف دمشق وبقية المحافظات «الموافقات الأمنية» للسكن واستئجار المنازل، علماً بان المخابرات تلاحق وتطارد العائلات غير الحاصلة على تلك الموافقات، وقد شهدت العاصمة استدعاء العشرات من أرباب العائلات للأفرع الأمنية للتحقيق معهم وإعطائهم مهلة زمنية قصيرة جداً لمغادرة العاصمة.
كما شملت القرارات تجميد الموافقات الأمنية «التي تشترطها المخابرات السورية» لإجراء العمليات العقارية «البيع والشراء، والاستثمار»، الأمر الذي يهدد آلاف العائلات ويجعلهم ضمن خطر التهجير القسري مرة ثانية، ولكن هذه المرة خارج أسوار العاصمة دمشق بالكامل.
تفجيرات العاصمة
الإجراءات والتعقيدات والأمنية التي كشف عنها النظام السوري مؤخراً، جاءت بحسب المصدر، بعد التفجيرات الأخيرة التي ضربت العاصمة السورية- دمشق، وأن المخابرات السورية تضيق على المدنيين، خوفاً منها على وجود «خلايا نائمة» داخل دمشق، قد تستهدف مواقع أمنية في أوقات لاحقة، خاصة بعد التفجيرات التي ضربت حي الميدان وقسم الشرطة.
وتعيش نسبة كبرى من المدنيين في دمشق تحت سقف الفقر والحاجة جراء انقطاع الأعمال بشكل كبير، وانهيار الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، فضلاً عن امتناع حكومة النظام عن إعادة آلاف الموظفين لدوائرهم الوظيفية التي غابوا عنها مع ارتفاع حدة المواجهات بين النظام السوري والمعارضة.
الناشط السوري «يامن رضوان» قال لـ «القدس العربي»: العديد من العائلات السورية غادرت سوريا هرباً من بطش المخابرات السورية، حيث قصدت تلك العائلات الأراضي اللبنانية، ومنهم من استقر بشكل مبدئي داخل الأراضي اللبنانية، وآخرون توجهوا نحو السودان، التي لم تشترط على السوريين «فيزا» لدخول أراضيها.
وأشار «رضوان» إلى إن عائلات أخرى، تقوم بشراء «دوريات أمنية» للمخابرات السورية بالمال، مقابل إيصالها إلى مشارف المناطق المحررة في الشمال السوري كمحطة أولى لمساعيهم دخول الأراضي التركية عبر «التهريب» آملين بالوصول إلى اليونان عبر البحر. ناشطون سوريون في العاصمة دمشق، أكدوا لـ «القدس العربي» بان الاعتقالات العشوائية وغير القانونية لم تتوقف بعد إفراغ غالبية محيط العاصمة من المعارضة السورية المسلحة، وان عمليات الاعتقال تطال الرجال بنسبتها الكبرى بهدف تجنيدهم ضمن قوات النظام لقتال تنظيم الدولة في دير الزور وغيرها. وأكدت المصادر بأن المخابرات السورية اعتقلت عدداً من الموظفين أواخر شهر تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، رغم حصولهم على بطاقة تأجيل الخدمة العسكرية، وأشارت المصادر إلى أن بعض أولئك الموظفين أصبحوا خلال مدة لم تتجاوز الـ 24 ساعة، مقاتلين على الخطوط الأولى لقوات النظام السوري بدير الزور وريفها.
كابوس الأوراق الرسمية
وحسب شهادة العديد من السوريين خارج سوريا وداخلها، فإن استصدار الأوراق الرسمية من السفارات السورية أقل ضرراً بكثير من استحصال الأوراق الرسمية ذاتها من داخل العاصمة السورية، إلا إن بعض الأوراق الرسمية لا يمكن للسفارات السورية تقديمها بشكل مباشر، مما يجبر أصحاب تلك المعاملات على دفع مبالغ مالية كبيرة لأحد الأذرع الأمنية في دمشق، خاصة بعد فرض المخابرات السورية حصول أصحاب المعاملات العقارية وغيرها على «الموافقة الأمنية» قبيل إتمام أي معاملة «وكالة خاصة أو عامة».
وقال «خالد أبو عيسى» وهو اسم مستعار لسوري قدم عبر إحدى السفارات السورية «وكالة خاصة» لأحد أقربائه بهدف بيع أملاكه في العاصمة دمشق، وعندما وصلت المعاملة القانونية إلى دمشق، اضطر «خالد» إلى دفع مبلغ مالي وقدره ثلاثة آلاف دولار أمريكي لأحد رجالات المخابرات السورية مقابل حصوله على الموافقة الأمنية التي تخوله بيع أملاكه عبر الوكيل.