وقعت مجزرة سوق البؤساء في معرة النعمان والتي سقط فيها العشرات في وقت كانت تلفظ الجولة الأخيرة من مفاوضات جنيف-3 آخر أنفاسها وكان ذلك أيضا خلال الهدنة المفترضة، لم تكن حدثا استثنائيا فقد اقترف نظام الأسد وحليفه الروسي بعدها ما لا يقل عنها فظاعة ولا يزالان يقترفان لكن ما ميزها هو تصريحات أحد المتحدثين باسم البيت الأبيض الذي أدانها دون أن يذكر الجهة التي تقف وراءها إلا أنه رجح أن يكون نظام الأسد، لم يخجل من نفسه ومن أرواح الضحايا على الرغم من معرفته أن لا أحد يمتلك الطائرات في سوريا سوى النظام والاحتلال الروسي الذي استجلبه. قبل هذا ومع انطلاق تلك الجولة التفاوضية تداولت وسائل الإعلام الحديث عن 600 الف وثيقة توجد جارج سوريا و 500 الف أخرى ما تزال داخلها توثق الفظائع التي ترتكب في غياهب سجون نظام الأسد التي تفوقت على السجون النازية والستالينية ربما بآلاف المرات إلا أن كل ذلك لم يدفع أحد المحامين أو إحدى المؤسسات المدافعة عن حقوق الإنسان لرفع دعوى أمام أصغر هيئة قضائية في أبعد منطقة نائية في هذا العالم المريض، لا بل لا يفتأ أوباما تغشاه أعلى درجات السكينة وهو يتحدث بكل ثقة عن صواب ما إقترف في سوريا وكأنه إذ منع السلاح النوعي وأغمض عينيه عن تجاوز خطوطه الحمراء وعدم سماحه لأحد بمساعدة الشعب السوري وتركه نهبا لآلة قتل النظام وحلفائه الروس والإيرانيين والمرتزقه اللبنانيين والعراقيين والافغان و…. وكأنه بافاعيله تلك قد اتخذت قرارا بمنع ضرب هيروشيما بالقنابل النووية أو منع غزو فيتنام وازهاق أرواح ثلاثة ملايين من مواطنيها الأبرياء، كما يؤكد دوما على شعوره براحة الضمير تجاه سياسته في سوريا وهو الحائز على جائزة نوبل للسلام لسحبه قواته من العراق وأفغانستان لكن فعلته تلك في العراق أدت إلى تغول المليشيات الشيعية التي ابتلعت الدولة ثم استباحت السنة ومناطقهم. عمليا هو يفتخر باستمرار الجرائم والكوارث في سوريا ولا يريد لها إنتهاء فهو يرفض حتى إقامة منطقة عازلة رغم استجداءات حلفائه الأوروبيين والأتراك ولا يرى حلا لما يسموه الأزمة السورية إلا عبر الانتقال السياسي والمفاوضات وحتى الوصول إلى ذلك الغائب المنتظر ليبقى السوريون يقتلون بالعشرات يوميا وليبقى من يعاني الجوع والحصار على حاله ولتحرم أجيال منهم من التعليم ولتغرق في الأمية والضياع.
مفاوضات جنيف-3 انتهت ولم تكن أفضل من النسختين السابقتين، لا ينقصها سوى انتهاء مهلة الشهور الستة وربما استقالة دي مستورا، ربما يعاني هذا الأخير من ضائقة مادية وهذا ما يؤخر استقالته إلى الآن وقد نشاهده بعد استقالته مستشارا أو رئيسا لمعهد أبحاث ما في روسيا أو إيران أو حتى الإمارات نفسها براتب خيالي لقاء ما قدمه من خدمات طوال فترة مكوثه في منصبه لأحد الأطراف كما حدث مع مبعوث أممي إلى قضية عربية أخرى لا تزال تراوح في مكان.
لا تزال ترغم المعارضة السورية على الدخول في مفاوضات عبثية مع النظام وهي بذلك لا تشذ عن القاعدة التي تقود كل تحركاتها حتى الميدانية منها ولكنها إذا أرادت اتخاذ قرار يرسخ لعلاقات ذات قواعد صلبة بينها وبين الشعب السوري الذي ابتعدت عنه كثيرا في بعض المواقع فعليها أن لا تقبل الدخول في أي مفاوضات جديدة مع نظام الأسد الإرهابي إلا بعد حصولها على أسلحة مضادة للطيران وبكميات كبيرة، عمليا لن تغير هذه الصواريخ الكثير على الأرض وستبقي كل طرف في مكانه فلا تزال المدفعية الثقيلة وصواريخ السكود وغيرها بحوزة النظام ولكنها فقط ستقلل من فاتورة الشهداء قليلا وتبعث بعض أطياف السكينة في نفوس المدنيين في مناطقهم البعيدة عن جبهات القتال.
لن تترد الولايات المتحدة في منح تلك الصواريخ إذا كانت جادة في إنهاء مأساة هذا العصر وكتابة آخر فصل في قصة الموت المعلن التي لا يزال يقاسيها السوريون لكن ليس هذا ما يريده الأمريكيون.
لا تختلف عقيدة أوباما عمليا التي زينها كثيرا الصحافي غولدبرغ عن عقيدة سابقه بوش ولكن ساعدته الظروف ليقترف في سوريا نفس ما إقترف بوش في العراق دون أن يحرك قوات أمريكية بل إعتمد لتدمير سوريا على نظام الأسد الإرهابي الذي كان عند حسن ظن أسياده دائما. الأمريكيون هم سيد من يقتنص الفرص ويتعامل مع سير الأحداث ويحولها لمصلحته فقد سمحوا للنظام الإيراني بقمع الربيع الإيراني عام 2009 لأن بقاء النظام الإيراني الحالي يصب في مصالحهم ويقدم لهم على طبق من فضة كل العبث والتخريب اللذين يريدونهما في المنطقة في حين زودوا ثوار سوريا بسلاح لا يسمن ولا يغني من جوع وتركوهم عرايا تحت نيران النظام.
لا يغيب عن أحد أن كل قطعة سلاح تدخل للثوار في سوريا يجب أن تحظى على موافقة أمريكية لكن كان على الدول المانحة لاحقا أن لا تقع في الفخ الأمريكي فإن كانت غير قادرة على تزويد الثوار بسلاح قادر على مواجهة النظام واسقاطه فمن الأجدى البحث عن بدائل أخرى لمواجهته ربما كان ذلك سيوفر مئات آلاف من الأرواح والكثير من الدمار، قد تكون أيضا مرغمة على دورها ذاك فمن البديهي أن لا يغيب عنهم أن ذلك السلاح لن يجدي نفعا بل سيعود بنتائج كارثية على السوريين. أيا كان الحال فأهداف الثورة السورية أكبر من كل الدول التي تسمي نفسها داعمة لها وأكبر شريك لنظام الأسد في إرهابه المستمر على سوريا هو أوباما.
الهجمة الأخيرة على حلب هي رد على تقدم الثوار نحو معاقل النظام في اللاذقية أما الهدنة المفترض تطبيقها في اللاذقية وغوطة دمشق والتي تستثني حلب فهي من المفارقات المضحكة المبدئية فكيف تستثنى حلب وكيف تفرض هدنة في وقت لا تزال تسري فيه هدنه فرضت مع بدء المفاوضات. من لم يدن إرهاب نظام الأسد ويترك إيران تعلن بكل صفاقة إرسال ألوية إلى سوريا في وقت تمنع إقامة منطقة عازلة صغيرة تحمي السوريين من قصف طائرات روسيا والنظام لا يمكن أن يتوقع منه شيئا، ليس أمام السوريين إلا الصمود الذي يرغمون عليه وعليهم أن يدفعوا فاتورة كبيرة ففي النهاية لا تملك الولايات المتحدة رغم كل قدراتها مفاتيح القدر وقد هزمت كثيرا.
القدس العربي